على مدار الساعة

لا للإساءة إلى المملكة المغربية الشقيقة...

8 سبتمبر, 2025 - 09:00
محمد يسلم يرب ابيهات - medyesyar66@gmail.com

تفاجأت من حديث خلال الفترة الأخيرة لمحلل سياسي موريتاني مرموق، أحترمه كثيرا، وأقدره؛ تفاجأت به وهو يقع بسهولة في خطأ كبير، لا يليق بمثله من المثقفين، واسعي الاطلاع؛ ممن يدعون لأنفسهم التخصص في الشأن الإفريقي، وفي التحليل الجيوسياسي الممتع، بالحسانية، والفصحى، والفرنسية.

 

وذلك حين أنكر بكل سهولة، وجود حدود برية للجمهورية الإسلامية الموريتانية مع المملكة المغربية! ألهذا الحد؟ طيب، فمن أين تمر إذا ثلاثمائة شاحنة يوميا، محملة بالبضائع المغربية المختلفة؟ تلك البضائع التي تعج بها الأسواق الموريتانية، والتي لولاها لما أكل الكثير من الموريتانيين الخضر، والفواكه المختلفة، الطازجة، الموفرة على مدار السنة، بغير من ولا أذى، وبأسعار في متناول المواطن الموريتاني؟؟

 

لو أن محللنا الكبير، بعد تفننه في حديثه عن حلم "الغد المشرق" للعلاقات بين موريتانيا والجزائر، وتسويقه لموريتانيا "الغاز واليورانيوم" بمساعدة الجزائر، اكتفى بهذا، لهان الأمر؛ وهذا كله حقه المطلق، ولا اعتراض لنا على إطالته في تزويقه، وتنميقه، وإيهام الجميع بأنه "واقع"؛ فذلك شأنه، ولا أحد يعترض عليه، من حيث المبدأ، في اعتباره للجزائر كحليف استراتيجي لموريتانيا؛ ولكن ما لا يمكن استساغته، هو نفي وجود حدود برية مع جارتنا العزيزة، المملكة المغربية، التي لولا اعترافها سنة 1969م بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، لما شقت هذه الأخيرة طريقها بسهولة...

 

ولكي يتسنى لنا تسليط الضوء على المغالطات الخطيرة، التي جاءت في طيات هذه الحديث، سأكتفي، خوف الإطالة، بإثارة النقاط التالية:

1. الاعتراف الثمين، الذي أعتبره شخصيا، أهم مكسب للدولة الموريتانية الحديثة، وهو من وجهة نظري، "الاعتراف الضامن" لحقيقة "استقلال موريتانيا" ووجودها كدولة "مستقلة"، وذات سيادة كاملة، تحمل اسم الجمهورية الإسلامية الموريتانيا، بشكل نهائي، ولا رجعة فيه؛ هو اعتراف المملكة المغربية سنة 1969 بدولة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، كاملة السيادة. وقد (شكل قبول موريتانيا عضوا كاملا في الأمم المتحدة محطة فارقة ... (...) لقد نجح الرئيس ولد داداه في أن يفرض اسم موريتانيا في الساحة الدولية ويجعل من قضية وجودها مسألة متجاوزة.

 

فموريتانيا عضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي الملغاشي (مدغشقر 1961)، وفي منظمة الوحدة الإفريقية (إثيوبيا 1963)، وفي منظمة الدول المطلة على نهر السنيغال (غينيا 1968). المصدر: https://defense-arab.com/vb/misc/contact

 

لكن، حين طوت صفحة من المطالبة دامت تسع سنوات، كانت المملكة المغربية تأمل في أن تظل موريتانيا حليفا استراتيجيا، يصح التعويل عليه. ولم تُقصِّر المملكة المغربية، في يوم من الأيام، في تقديم الدعم السخي، للدولة الموريتانية الناشئة، بعد اعترافها باستقلالها، وسيادتها على كامل أراضيها. فكونت الأطر، ودعمت الاقتصاد، وسمت بعلاقاتها مع موريتانيا إلى أرقى مستويات "التلاحم" و"التمازج" الأخوي، والبناء. لكن، في المقابل، هل ردت الدولة الموريتانية الجميل للملكة المغربية، دائما؟ على أي حال، ظل المغرب يساند، ويدعم مسيرة التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية لموريتانيا، بدون تقصير، حتى في أصعب الظروف، وأكثرها ضبابية في العلاقات البينية، بين الجارتين الشقيقتين. وهو خط ثابت، وخيار استراتيجي عميق، للملكة المغربية.

 

2. للجمهورية الإسلامية الموريتانية، كدولة ذات سيادة كاملة، غير ناقصة ولا منقوصة، على مستوى العلاقات الدولية، أن تقرر بكامل إرادتها، وبمحض اختيارها، رسم سياستها الإقليمية، والقارية، والعربية، والإسلامية، والدولية. هذا مبدأ لا جدال فيه. لكن حيادها من قضية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، الملازم لاعتراف بـ"جمهورية لا وجود لها" أمر لم يعد له مسوغ ولا مبرر، واقعي، ولا استراتيجي. فمن كان له سلافة من عقل، لا يرضى بالواقع المزري الذي تعيشه فلذات أكبادنا، من بني جلدتنا، ومن ذوي القربى والرحم، الذين رمت بهم أوهام فكر انفصالي "طائش" في أتون حرب بين الأخوة والأشقاء، ما كان لها أن تكون؛ تحولت في أربعة عقود، إلى معضلة سياسية، وصراع "إقليمي" وحتى "قاري" تم تدويله إلى عن قصد، إلى أقصى الحدود؛ ليتحول إلى مصدر معاناة لساكنة المنطقة قبل غيرها؛ حيث قُطعت أرحام، وأُزهقت أرواح، بغير حق، جراء "الطيش، والعمى" الانفصالي، غير المبرر، لا تاريخيا، ولا واقعيا؛ وأصبحت القضية مثار تأزم دائم، بين إخوة أشقاء؛ ولتتحول إلى حجر عثرة، تَحُولُ دون ميلاد الفضاء المغاربي الكبير، الذي يشكل بالفعل؛ تاريخيا، وحاضرا، ومستقبلا؛ التكتل الأهم، جيوستراتيجيا، لمنطقة الشمال الإفريقي.

 

الحدود البرية المغربية - الموريتانية، واقع يستعصي على النكران، ويستحيل القفز عليه، وليس "تماسا"، كما زعم هذا المحلل السياسي في مقابلته. وتوجد اتفاقيات دولية بين البلدين، رسمت حدودا متفق عليها، لحد الساعة، وإن كانت غير نهائية، في انتظار أمر طبيعي بين الدول، وهو الترسيم النهائي للحدود بين للجمهورية الإسلامية الموريتانية، والمملكة المغربية؛ كان ذلك في اتفاق مدريد الموقع في 14 نوفمبر 1974م، بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، والمملكة الغربية، من جهة، والمملكة الإسبانية، من جهة أخري. والجميع يعرف ما تلا ذلك من "انسحاب" موريتانيا من إقليم واد الذهب، وعودة الحدود المغربية إلى واقعها الطبيعي الحالي، من طنجة إلى لكويرة.

 

وبعد المسيرة الخضراء المظفرة، مسيرة البناء، والعمران والتشييد، والنماء؛ أصبحت الحدود البرية الموريتانية - المغربية، التي هي واقع معاش، ممرا، ومعبرا للأفراد، والبضائع، والسلع المختلفة؛ وممرا سالكا للأسر الموريتانية التي تتنقل في كل عطلة صيفية، بكل أريحية، وانسيابية، وعفوية، من وإلى المملكة الغربية، معززة بذلك أواصر قربى، وحب، وودّ، وصداقة لا تنفصم عراها؛ وهي علاقة حسن جوار، وتفاهم، وأخوة، يشهد القاصي قبل الداني، على حيويتها، وأهميتها بالنسبة للطرفين، الدولتين الجارين الشقيقتين، موريتانيا والمغرب.

 

3. الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، دولة شقيقة، وجار عزيز على كل الموريتانيين. دولة المليون شهيد، والمواقف العربية المشرفة، والتي لم تقصر هي الأخرى في دعم موريتانيا، اقتصاديا، وثقافيا. صحيح، لكن لا ينبغي أن يكون السعي المشروع، والمبرر، والمفهوم، والواقع في موقع الصدارة في بحث موريتانيا عن شريك استراتيجي، لاستغلال غاز "بير الله"، وإحياء جزء كبير من الشمال الموريتاني، بمشاريع تنموية هامة، واكتمال الطريق الاستراتيجي الرابط بين موريتانيا والجزائر، والذي يشكل دون أدنى شك، إنجازا مهما للشعبين الشقيقين، الموريتاني والجزائري؛ لا ينبغي لكل ذلك أن يكون مقرونا بالإساءة إلى المغرب، أو الإضرار بعلاقات راسخة، رسوخ جبال آدرار، والأطلس الكبير، والمتوسط، والصغير!! وكأنّ محللنا، عن قصد فيما يظهر لي، والله أعلم، بلغ به حدّ الفرح، والاحتفاء بهذا "المشروع" حدّ القول، بأن موريتانيا لديها حدود برية "فقط" مع الشقيقة الجزائر، ولا وجود لحدود برية لها مع الشقيقة المغرب، وإنما هناك ما سماه "تماس" حضاري، وتاريخي وعرقي" بين موريتانيا والمغرب!! لقد "أغربت"، أخي الكريم، في التطرف اللفظي، وجاوزت حدود "اللياقة الحيادية" التي لا غنى للمحلل السياسي عنها، وأنت محلل بارع، وكاتب ذو يراعة ماتعة، لا يشق لك غبار في التعبير الكتابي والشفاهي، بلغة الضاد. أأعوزتك عبارة في اللغة العربية، تؤدي بها المعنى الذي تريد، أم أنه الترويج عن قصد، لأفكار، وطرح، أعداء الوحدة الترابية للملكة المغربية؟ ننتظر التوضيح...

 

نواكشوط، 07 سبتمبر 2025م.