تعد البنية التحتية المدرسية أحد المكونات الجوهرية لأي نظام تعليمي ناجح، إذ تؤثر بشكل مباشر على مخرجات التعليم من خلال تهيئة بيئة تعلم ملائمة.
وقد أكدت تقارير صادرة عن البنك الدولي (2018) ومنظمة اليونسكو (2020) أن تحسين المباني المدرسية يرفع معدلات التحصيل ويحد من ظاهرة الهدر المدرسي بنسبة معتبرة.
وفي موريتانيا، حيث يشهد القطاع التربوي إصلاحات هيكلية، جاءت البرامج الحكومية الاستعجالية في نواكشوط والولايات الداخلية لتضع تشييد مدارس حديثة في صدارة الأولويات، بما يعكس وعياً رسمياً بارتباط البنية التحتية بجودة التعليم.
من الناحية الهندسية، لا يقتصر المبنى المدرسي على توفير فضاءات للتدريس، بل يشكل منظومة عمرانية متكاملة ينبغي أن تراعي:
- المعايير البيئية: الإضاءة الطبيعية، التهوية، والعزل الحراري الملائم للمناخ الصحراوي.
- المعايير التربوية: تصميم الأقسام والساحات بما يشجع على التفاعل والأنشطة.
- المعايير الصحية: توفير مياه صالحة للشرب، شبكات صرف صحي، ودورات مياه مطابقة للمقاييس.
- المعايير الإنشائية: ضمان متانة المباني في مواجهة عوامل التعرية والتربة الرملية أو المالحة المنتشرة في بعض المناطق.
وتشير دراسات الهندسة التربوية (Educational Facility Design Studies, OECD 2019) إلى أن تصميم المدارس وفق هذه المعايير يؤدي إلى تحسين متوسط نتائج التلاميذ بما يتراوح بين 10% و20%.
جاء البرنامج الاستعجالي لتنمية نواكشوط ليعالج مشكلة الاكتظاظ وضعف المرافق عبر بناء مؤسسات جديدة بمواصفات عصرية، كما شملت مشاريع التنمية في الداخل إنشاء مدارس في ولايات تعاني من نقص شديد في البنى التحتية.
هذه المشاريع تعكس توجهين أساسيين:
- مركزة الجودة: الحرص على تطبيق المعايير الهندسية في التصميم والتنفيذ.
- عدالة التوزيع: تقريب الخدمات التعليمية من جميع المواطنين.
تُظهر التجارب الدولية أن العلاقة بين البنية التحتية والأداء التعليمي علاقة عضوية.
فمدرسة ذات أقسام جيدة التهوية والإضاءة، مجهزة بوسائل تعليمية معتبرة، توفر بيئة تعلم أكثر تحفيزاً، وتزيد من نسب الحضور، وتقلل من التسرب المدرسي.
في السياق الوطني، من المنتظر أن تسهم المدارس الجديدة في:
- تحسين نتائج التلاميذ عبر بيئة أكثر ملاءمة للتعلم.
- رفع نسبة التمدرس خاصة في الأوساط الريفية.
- تعزيز ثقة الأسر في المدرسة الجمهورية.
رغم أهمية هذه الإنجازات، تظل الاستدامة تحدياً قائماً. فالتجارب السابقة بينت أن غياب خطط صيانة مبرمجة يؤدي إلى تدهور سريع للمباني. وهنا تبرز الحاجة إلى:
- وضع استراتيجيات صيانة وقائية ممولة ومهيكلة.
- تكوين طواقم محلية في إدارة المرافق المدرسية.
- إدماج الرقمنة عبر أنظمة لتتبع حالة المباني وضمان استدامتها.
إن بناء مدارس حديثة ليس مجرد استجابة لحاجة آنية، بل هو استثمار استراتيجي في رأس المال البشري. غير أن نجاح هذه المشاريع يقاس بقدرتها على الاستدامة، وهو ما يضع على عواتقنا جميعا تحدي المحافظة عليها، لضمان مدرسة جمهورية حديثة قادرة على مواكبة تطلعات الأجيال القادمة.