على مدار الساعة

هل تتجه موريتانيا نحو التقسيم؟

4 سبتمبر, 2025 - 15:31
الجيه الشيخ محمد فاضل - رئيس ﻧﺎدى ﻗدﻣﺎء ﺑﻌﺛﺔ اﻟﺷرطﺔ اﻟﻣورﯾﺗﺎﻧﯾﺔ ﻟﻺﻣﺎرات اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﺗﺣدة

في ضوء التجاذبات الحالية ما بين مخوف من تقسيم البلد ومطمئن من عدم تقسيمه، لا بد أن أوضح بادئ ذي بدء أن التقسيم ليس شرا مطلقا بل إن هناك من يعتقد أنه يساهم في إيجاد حلول دائمة للمشاكل الناشئة عن تظلمات ومطالب الأقليات وتطلعها إلى حل مشاكلها الخاصة على أساس التجانس وتماهى الفوارق داخل الأقاليم التي تتواجد عليها بما يمكنها من التغلب على تحديات الحكم والحد من الشعور بالتهميش أو عدم التمثيل.

 

وفي موريتانيا بدأت بواكر هذه التحديات تطفو على السطح بداية الاستقلال حيث انبرى ذوو الهويات الفرانكوفونية المكتسبة ينافحون من أجل حجز مكان مميز خاص بهم داخل الدولة الوليدة مستفيدين في ذلك من توجه فرنسي واضح لطمس الهوية الإسلامية العربية للبلد، ومن ذلك الحين وبوادر التأزم تبارح بين المد والجزر وتتخذ أشكالا وأوجها متعددة وفي نفس الاتجاه يسير داعموها (فمثلا شركات التعدين الغربية باتت تعتمد سياسة الدعم تلك في سياساتها التشغيلية في مسعى فاضح لتغيير الحقائق على الأرض) وعلى المستوى السياسي لا يخفى ما نراه في  الشارع وفي البرلمان من تدنى الثقة  في النظام كيف لا والناس يستيقظون في كل يوم على جريمة قتل أو مخدرات أو ثراء فاحش لا أب له وأم يقتل الوطن ويفقر المواطن أو مال عام مبذر تبذره قلة لا تطالها يد القانون إذ يده مغلولة أو حق مصادر وهوية ضائعة لا بل لم يعد للحكومة من هم خصوصا الحالية سوى  التماهي مع نظرة  رئيس النظام، وجلب المحاصيل له على الطريقة الغظفية.. كل ذلك يحدث في ظل مطالب من أقليات ما فتئت تطالب بتقرير مصيرها هنا وهناك ومطامع في الإقليم عن الشمال وعن اليمين، وعدم استقرار على حدوده الشرقية مما يجلنا في وارد التفكير القلق الجاد من تأثير ذلك كله على المستقبل المنظور، وحتى نضع القارئ في سياق الموضوع لا بد من التذكير أن فكرة التقسيم ترجع هذه إلى تحديات الحكم في الدول متعددة الأعراق أو الأديان أو اللغات، حيث تشعر الأقليات بالتهميش أو عدم التمثيل الكافي. وتستند حجج واضعيها إلى أن الأقليات غالباً ما تطالب بالحكم الذاتي أو الاستقلال للحفاظ على ثقافتها ولغتها وهويتها وبالتالي فتقسيم البلدان إلى كيانات أصغر يسمح للأقليات بحكم نفسها وفقاً لقيمها ومصالحها بما يحد من شعورها بالإقصاء أو الاضطهاد، وما قد يؤدي إليه ذلك من اضطرابات اجتماعية وصراعات فمنحها دولة خاصة بها أو منطقة مستقلة يمكن أن يقلل من التوترات. كما أن الدول الأصغر حجمًا والأكثر تجانسًا غالبا ما يُنظر إليها على أنها أكثر كفاءة في الحكم لأنها لا تواجه انقسامات داخلية أو مصالح متضاربة فالتقسيم سيسمح لها بالحفاظ على ممارساتها الثقافية الفريدة وتعزيزها دون خوف من الاندماج أو القمع من قبل الأغلبية المهيمنة.

 

وعلى هذا الأساس تم تقسيم الهند البريطانية إلى الهند وباكستان سنة 1948على أساس الهوية الدينية، بهدف الحد من الصراع بين الهندوس والمسلمين. وتقسيم يوغوسلافيا إلى دول أصغر (مثل كرواتيا وصربيا والبوسنة وغيرها) مدفوعًا بالتوترات العرقية والدينية. وحصل جنوب السودان على استقلاله عن السودان 2011 بعد عقود من الصراع المتجذر في الاختلافات العرقية والدينية والثقافية. وقسمت الهيكلية الفيدرالية لإثيوبيا إلى مناطق على أساس عرقي، مما منح المجموعات العرقية استقلالية كبيرة. وليس ما حدث ويحدث في العراق وليبيا واليمن وسوريا حاليا إلا تجسيد لهذا الاتجاه الذي لا شيء يشبهه إلا الرمية حينما تخرج من يد الرامي فبوادر الانقسام تبدأ محليا ثم تلتقطها قوة خارجية وتجسدها على الواقع.

 

ولئن كانت الجمهورية الإسلامية الموريتانية لا تواجه حالياً خطر الانقسام إلى كيانات أصغر على أساس الأقليات كما في الأمثلة السابقة، ولكنها تواجه تحديات اجتماعية وعرقية كامنة ورعونة في الحوكمة قد تؤجج التوترات إذا لم يتم معالجتها بشكل صحيح. فاحتمال الانقسام في موريتانيا يرتبط ببنية عرقية وثقافية واجتماعية وسياسية معقدة. فهي بلد متنوع عرقياً، يتألف سكانه من عدة مجموعات رئيسية هم - البيظان ولحراطين ويشتركون في الروابط الثقافية واللغوية مع البيظان، لكنهم يواجهون تهميشًا اجتماعيًا واقتصاديًا كبيرًا. ومجموعات الفولان والسونينكي والولوف المتواجدون بشكل رئيسي في المناطق الجنوبية من موريتانيا، وهذا التنوع شكل عامل عبر التاريخ عامل قوة لكنه تتضرر كثيرا بما أدى لظهور توترات، نعتقد جازمين أن للنظام العسكري دورا كبيرا من خلال سعيه لتفكيك القوى المجتمعية حتى لا يبقى منها متماسكا وقويا سوى قوة المؤسسة العسكرية. وينشأ تصور عدم مساواة منهجية في موريتانيا من توهم سيطرة نخبة البيظان على معظم الحكومة والجيش والموارد الاقتصادية. كما أن المكونات الإفريقية غالبا ما تثير أنها تواجه تمييزًا في ملكية الأراضي والتمثيل السياسي والوصول إلى الموارد. أما الحراطين، وبالرغم من تشابههم الثقافي مع البيظان، إلا أنهم يعاملون بشيء من الحيف (الزواج مثلا) بسبب وضعهم التاريخي كعبيد وتهميشهم الاجتماعي والاقتصادي المستمر. أما من ناحية الجغرافية فتتركز هذه المجموعات في المناطق الجنوبية من موريتانيا، بالقرب من نهر السنغال (يعرف تاريخيا بـ"جبك" أي: جب أك: أي بحر أك وأك هو الجد الجامع لقبيلة للمدلش) وهو ما قد يشكل الأساس الجغرافي  للانفصال، أما من الناحية السياسية فهناك مطالبات قديمة للمغرب في موريتانيا كلا، وظلال تلك المطالبات تلف الشمال الموريتاني بشكل خطر في ضوء الدور الذى تريد الإمارات ومن وراءها الكيان الصهيوني الغاصب للمغرب أن يلعبه في الساحل الإفريقي والذي في ضوئه أثيرت قضية القاعدة العسكرية المغربية في الشمال الموريتاني، وعلى أساسه تتحرك الإمارات في تيرس وإنشيرى وآدرار طليقة اليد بحجة حماية محميات ما هي في الحقيقة إلا نذر شؤم تلوح كما لاحت في السودان قبلنا.

 

فإذا ما أضيف للعوامل السابقة الشعور بالإقصاء السياسي والفساد وضعف سيادة القانون والثقة في الحكومة وقدرتها على التوسط بفعالية في المشاكل المطروحة، وفتحها الباب مشرعا أما المخربين والمهربين ومبيضى الأموال والمحيط الإقليمي المتأجج فإن ذلك يولد بما لا شك فيه انطباعا بأن موريتانيا تسارع الخطى نحو الفوضى والتقسيم، ولربما يكون ذلك الانطباع هو ما حدا ببعض المثقفين للترويج بأن الجيش هو الضامن الوحيد للوحدة الوطنية، ولكن تجارب دول أخرى تشير إلى العكس.

 

 ومن السيناريوهات التي قد تزيد من مخاطر الانقسام:

- تفاقم التوترات العرقية وتذكيتها المستمرة بما يؤدي إلى اضطرابات أو مطالبات بالحكم الذاتي في الجنوب مدعما بتوجهات دولية تجسدها أنظمة خليجية لها تاريخ في زعزعة أمن واستقرار الدول كما الحال في السودان.

- الأزمات الاقتصادية أو البيئية: قد تؤدي أزمة كبرى، مثل الجفاف أو الانهيار الاقتصادي، إلى تعميق الانقسامات القائمة وتأجيج المشاعر الانفصالية.

- امتداد الصراع إلى المنطقة: قد يؤدي عدم الاستقرار في مالي المجاورة أو أجزاء أخرى من منطقة الساحل إلى تشجيع بروز جماعات مسلحة أو حركات انفصالية في موريتانيا.. وتثير أزمة الحموية الحالية مع الحركات الانفصالية في مالي مخاوف من تطور الأمور في هذا الاتجاه...

 

ويذهب البعض إلى أن الانفصال غير ممكن لأن الاقتصاد ومصادر الدخل تتركز في جزء من موريتانيا دون غيره، وهو تصور خاطئ، فمن الجنوب مثلا تمر سلسلة الموريتانيد، وهي مكمن للمعادن، ويوجد نهر السنغال والأراضي الخصبة، والتساقطات المطرية، والثروة الحيوانية، وفي مقابله من الأطلسي حقول الغاز والنفط، وهي عوامل مغرية تسيل لعاب دعاة الانفصال وداعميهم.. وفي المحصلة فنحن كبلد على حافة الخطر، وعلى النظام أن يتفطن قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة.