على مدار الساعة

لا للكراهية.. لا للانتفاعية.. لا للتفاهة.. نعم من أجل دولة المواطنة

4 سبتمبر, 2025 - 15:17
سيدنا ولد أحمد اعل - مال، بتاريخ 4 سبتمبر 2025

في هذه العطلة المباركة، وفي جو خريفي يبعث على الانتعاش والألفة بين مختلف مكونات مجتمعنا، يطل علينا – بكل أسف – واقع آخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي: أصوات تنشر ثلاثة أنماط من الخطاب تهدد وحدة الدولة والمجتمع.

 

أولها: خطاب الكراهية الذي يعيد إنتاج الشرائحية والجهوية، ويزرع الشقاق بين الحرطاني والبيظاني، والكوري والفلاني، وبين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.

 

وثانيها: خطاب الانتفاعية الذي يحوّل السياسة إلى صفقات ومصالح شخصية بدل أن تكون التزامًا وطنيًا.

 

أما ثالثها فهو خطاب التفاهة الذي يفرغ النقاش العام من معناه، ويغرقه في سطحيات تُغيب التحديات الحقيقية.

 

ولا ننسى أن ديننا الإسلامي الحنيف هو الهوية الجامعة لأمتنا، وهو الذي علّمنا أن: "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى". هذه القيم السامية هي الأساس الذي ينبغي أن تُبنى عليه دولة المواطنة العادلة، دولة تتسع للجميع وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات.

 

إن هذه الخطابات ليست مجرد آراء عابرة، بل أدوات هدم خطيرة تُهدد السلم الأهلي وتضعف اللحمة الوطنية، بل وتفتح الباب أمام أجندات خارجية تبحث عن هشاشة الداخل. والأدهى أنها تُلقي باللوم كله على الدولة، متجاهلة أن حماية الوطن مسؤولية جماعية: من السياسيين الذين يوظفون الشرائحية لمكاسب شخصية آنية وربما بالمشاركة في مؤامرات خارجية من حيث يدرون أو لا يدرون، إلى المثقفين الذين يلوذون بالصمت، مرورًا بالإعلام الذي يسقط أحيانًا في الابتزاز والتضليل، وصولًا إلى الشباب الذين يُستدرجون إلى العدمية والمهاترات الهامشية بدل أن يكونوا طاقة للبناء.

 

ومواجهة هذه الأخطار تتطلب خطوطًا قانونية حمراء واضحة تضعها الدولة وتُطبق بصرامة على كل من يحرض على الفتنة أو يستغل الحساسيات الاجتماعية، جنبًا إلى جنب مع مكافحة الفساد. ويتطلب ذلك أيضًا هبة مجتمعية واعية إلى جانب جهود الحكومة، تحاصر هذه الخطابات وتمنع تمددها.

 

وإذا كان الداخل يعاني هذه التحديات الفكرية والأخلاقية، فإن المحيط الإقليمي يزيدها خطورة. فالإرهاب يتمدد في فضاء الساحل - الصحراء، والانقلابات العسكرية تعصف باستقرار المنطقة، والحدود مهددة بالتسيّب. وإلى ذلك، يطل التصحر والتغير المناخي كخطر وجودي يلتهم الأراضي الخصبة، ويجفف الموارد المائية، ويفاقم الكوارث الطبيعية مثل موجات الجفاف والفيضانات وانجراف التربة. وفي ظل كل هذه الأزمات، يضاف الانفجار السكاني الهائل في إفريقيا جنوب الصحراء، فتتحول الهجرة والنزوح إلى عبء أمني واقتصادي واجتماعي يهدد بشكل مباشر الهوية الوطنية نفسها.

 

أما دوليًا، فإن التنافس المحموم بين الشرق والغرب يجعل منطقتنا ساحة مفتوحة لصراع النفوذ. الغاز، المعادن النادرة، الثروة الزراعية والسمكية، كلها أوراق تجذب الأقطاب الكبرى. وموريتانيا، بما تملكه من موقع استراتيجي وغنى طبيعي معتبر، في قلب هذا التنافس.

 

في مواجهة هذه التحديات، تبنت الدولة بقيادة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني نهجًا يقوم على الدفاع الصارم عن السيادة وتأمين الحوزة الترابية، مع التركيز على الإنصاف والتآزر ودولة المواطنة. فبرنامج تآزر الاجتماعي غطّى مئات آلاف الأسر الهشة من المجموعات المهمشة سابقاً عبر التحويلات النقدية، والتأمين الصحي، والمدرسة الجمهورية، فيما شملت الاستثمارات البنى التحتية في الطاقة والمياه والزراعة، وربط المدن بالقرى، وإطلاق مبادرات لتشغيل الشباب ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة. وهي حصيلة مشرفة تؤكد إدراك الدولة لحجم التحديات، وسعيها الجاد لتقليص الفوارق وتحقيق العدالة الاجتماعية.

 

لكن جهود الدولة وحدها لا تكفي. فالوحدة الوطنية مشروع يجب أن يحمله الجميع: السياسيون بخطاب جامع، المثقفون بفكر تنويري، الصحافة بمهنية ومسؤولية، والشباب بروح المبادرة والبناء.

 

وليعلم الجميع أن محاكمة التاريخ لن تُنصف أحدًا، بل ستزيد الانقسام. ما يُنصف فعلًا هو الحاضر، من خلال سياسات عادلة، وتوزيع منصف للثروات، وعدالة اجتماعية تُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.

 

إن الوحدة الوطنية ليست شعارًا سياسيًا، بل شرط وجود لبقاء الدولة وضمان مستقبل الأجيال. فلنقف جميعًا ضد الكراهية والانتفاعية والتفاهة، ولنجعل من دولة المواطنة والإنصاف درعًا يحمي موريتانيا من كل الأخطار.

 

حفظ الله بلادنا من كل سوء، وصان وحدتنا الوطنية من كل المتربصين.