في مدينة بنغازي الليبية حدث إفريقي تاريخي يتابعه عن كثب كل مهتم بأخبار القارة السمراء وهو تسلم دولة ليبيا رئاسة الأجهزة الأمنية الافريقية "سيسا" بعد عقدين من تأسيس هذه المنظمة، كل المراقبين والمحللين والمستشرفين للشأن الإفريقي من إفريقيا وخارج إفريقيا ينتظرون ما سيتسرب من معلومات شحيحة عن هذا الاجتماع المغلق لأجهزة الأمن والاستخبارات الإفريقية، يتساءلون: لماذا ليبيا؟ وماذا على طاولة المخابرات الإفريقية في الغرف المغلقة؟ وما هي أهم التحديات الأمنية التي تواجه القارة؟
أسئلة ربما لن ترشح عنها أجوبة شافية لطبيعة الاجتماع الأمني وسريته لكن من الناحية التحليلية يمكن أن نخلص إلى عناوين صغيرة على هامش الاجتماع:
ليبيا.. والرسائل المشفرة
تنظيم اجتماع قمة بنغازي يحمل أكثر من رسالة أمنية أولها موقع ليبيا الجيواستراتجيي بين البحر الأبيض المتوسط حيث تنتشر الهجرة غير الشرعية بين إفريقيا وأوربا، وبين منطقة الساحل والصحراء الكبرى حيث يتنامى الإرهاب المسلح والتهريب بكل أشكاله.
أما الرسالة الثانية وربما الأهم هي التي أرادت "سيسا" تمريرها في اجتماع بنغازي وهي عودة الأمن والاستقرار تدريجيا إلى هذه الدولة التي عانت خلال العقد الماضي من نزاعات مسلحة وعمليات إرهابية في كبريات المدن وخاصة بنغازي المستضيفة اليوم للاجتماع الأمني الإفريقي.
هذه المدينة الشاطئية الهادئة تستضيف اليوم 54 جهاز مخابرات إفريقي و45 إعلاميا إفريقيا ليكونوا شهود عدول على الاستقرار والأمن داخلها وليروا بأم أعينهم آثار عمليات وقعت قبل سنوات ولم يعد لها أثر وحلت محلها نهضة عمرانية كبرى.
وصرح مدير المخابرات الليبية فريق أول حسن العائب في لقاء مع الصحافة أن 90% من الأراضي الليبية تسيطر عليها الأجهزة الأمنية بشكل كامل، وهي معلومة كانت غائبة عن الإعلاميين الذين لم يزوروا ليبيا، وربما تراجع العشرات منهم عن زيارة هذه المدينة بسبب الشائعات.
نظرة سوداء لقارة سمراء
وتعرف القارة الإفريقية في كثير من وسائل الإعلام وخاصة الغربية بأنها قارة مجاعات وحروب وانقلابات هكذا النظرة السوداوية التي عكست القارة لعقود من الزمن، فإن كانت هذه القارة قد عانت من عدة تحديات وكوارث إلا أن الإعلام ظلمها حين لم يذكر الجانب الآخر من الصورة المشرقة والنهضة الكبيرة التي تشهدها عدة دول إفريقية مثل روندا وإثيوبيا ونيجيريا والمغرب والسنغال، فهذه أمثلة قليلة من عدة دول إفريقية تشهد نهضة كبيرة، لكن غشاوة سوداء وقعت على عدساتهم فصوروا قارة بأكملها قارة كوارث.
أهم ما في اجتماع بنغازي الأمني الانفتاح على الإعلام ومحاولة تصوير القارة بعدسة محايدة تعكس الصورة كما هي وتتحدث عن قارة غنية تمتلك احتياطا كبيرا من ثروات العالم كله.
وبالفعل تعيش هذه القارة عدة تحديات أمنية أهمها انتشار الجماعات الإرهابية على امتداد القارة بين منطقة القرن الإفريقي شرقا إلى الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى غربا، بالإضافة إلى تحديات تتعلق بالأمن الغذائي والأمن المائي وعودة الاستقرار إلى دول تعيش نزاعات مسلحة كبيرة.
هذا، ويعول 1.5 مليار نسمة يقطنون في القارة الإفريقية على اجتماع بنغازي، ويأملون أن يساهم استلام ليبيا لرئاسة لجنة الأمن والاستخبارات الإفريقية "سيسا" في نتائج ملموسة تنشر السلام والاستقرار وتجعل يوم قارتهم خيرا من أمسها وغدها خير من يومها.