من يتابع المشهد في البلاد هذه الأيام، يلاحظ حراكًا متسارعًا: دعم المهرجانات، تشجيع السياحة الداخلية، إنشاء وزارة منتدبة للتنمية المحلية واللامركزية، وعصرنة مدن الداخل. قد تبدو خطوات متفرقة، لكنها تضع النظام – صدفة أو عن قصد – أمام فرصة لإنتاج صيغة جديدة من الحكامة.
هذه التحركات تعيد إلى الذاكرة تجربة الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع، الذي اعتمد على شبكة من المشايخ والوجهاء لبسط سلطته. وقد حاول نظامه في بعض الحالات خلق منافسة داخل القبيلة الواحدة بتعيين أحد سمرها بدل شيوخها، في محاولة لإعادة توزيع موازين القوة. المغرب بدوره طوّر هذه المقاربة وألبسها ثوبًا ثقافيًا؛ فجعل لكل قبيلة في الصحراء موسمًا فلكلوريًا ممولًا من الدولة، يتحول إلى مناسبة سياسية لتجديد البيعة وتعزيز الولاء.
لكن في السياق المحلي، برزت ظواهر خاصة تعقّد المشهد: منها ما يُمكن تسميته بـ "اتْبَيْرِيمْ"، وهي ظاهرة لونية ، إضافة إلى التقري العشوائي الذي يستهلك الموارد ويضعف التخطيط. ومن أسبابه المباشرة ضعف المجالس المحلية، التي كان يُفترض أن تنظّم العمران وتوجّه التنمية، لكنها في كثير من الحالات ساهمت في تكريس العشوائية.
ولمعالجة هذه التحديات وبناء حكامة جديدة، قد تلجأ الدولة – ضمن خيارات متعددة – إلى توظيف البنية القبلية مرحليًا كإطار واقعي، على أن تتمكن القبيلة من احتضان مختلف أبنائها بمختلف ألوانهم وفئاتهم. هذا المسار قد يساعد في الحد من مخاطر التفرقة وتقوية اللحمة الاجتماعية مؤقتًا، في انتظار بروز بدائل مؤسسية أكثر عدلًا واستقرارًا.
وهذا قد يدفع الدولة إلى توجيه ميزانيات بعض البلديات بعد إلغائها لتمويل مشيخات جديدة متعددة ومتنافسة على احتواء الجميع، بما يخلق ديناميكية مختلفة تقوم على التنافس في خدمة المكونات بدل الإقصاء أو التهميش.
كما أن إعادة هيكلة الإدارة المحلية عبر دمج القرى الصغيرة وتوجيه الموارد إلى كيانات أكثر فاعلية، قد يشكل خطوة عملية نحو الانتقال من سياسة المشيخة التقليدية إلى نموذج يخدم الطرح.
يبقى السؤال مفتوحًا: هل ما نشهده اليوم مجرد صدفة من مهرجانات وصور ملوّنة، أم بداية تحول أعمق نحو حكامة جديدة تعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع؟