الأخبار (نواكشوط) - على تمام الساعة 9 صباحا من يوم معتدل الحرارة، ضجت جنبات المسجد السعودي وسط العاصمة الموريتانية نواكشوط بهتافات مشرقة ومغربة، فحواها كلها غزة والمقاومة، وليس مرددوها سوى قادة الحراك الطلابي المناصر للقضايا العادلة، حملة مشعل الحرية والدفاع عن المقدسات ومناهضة الاختراق الصهيوني.
وبينما كان العالم متصلبا يوم 7 أكتوبر 2023 أمام الشاشات يشاهد فجر الطوفان يبزغ، كان الموريتانيون في الميادين تمجيدا للفعل وثناء على الصنيع وإشادة بالفكرة والتنفيذ، ثم لم تكل الأيدي الباذلة ولم تبح الحناجر الصادحة.
وعلى مدى قرابة سنتين؛ انتظمت المظاهرات الأسبوعية المناصرة لفلسطين، وحملات التبرع الطلابية، والمسيرات والمظاهرات الداخلية في الجامعات والمعاهد، وما تكاد ترتاح أقلام وآذان "خرّاصي" سفارة أمريكا في البلاد هنيهة حتى تلي تكبيرات الطلبة تهليلات الطالبات، ويمتشق فتى عالي الهم جهوري الصوت مكبرا رافعا اسم مقاوم أو متوعدا غاصبا، على مسامع أخيه.
ولأن الفعل الطلابي حي، والبطولة تقتضي الريادة، والفتوة تستلزم التجديد والإبداع؛ اختار الطلاب الموريتانيون التجديد بطريقتهم وأسلوبهم، فحضرت في أوقات فرحهم قضية المسرى بقدسيتها، وغزة بكبريائها، والمقاومة بشموخها والتحرير نبلا وسمو غاية.
إجماع..
من مدينة العيون عروس الشرق الموريتاني، إلى نجمة الشمال الزويرات، مرورا بعاصمتي البلاد الاقتصادية والسياسية؛ حملت دفعات خريجي المؤسسات التعليمية العالية في موريتانيا لعام 2024 - 2025 أسماء قادة وشهداء وقضايا فلسطينية.
أضحت راية فلسطين في حفلات التخرج شقيقة الراية الوطنية، تتحدث البولارية والسونونكية والولفية، والحسانية أيضا، تماما كما يجمع طلبة موريتانيا على قدسية قضية المسرى وحرمة الدم المسلم، وعدالة المقاومة من أجل الأرض والعرض.
الاقتصاديون، والإداريون، وفنيو المحاسبة، والأدباء واللغويون، والمهنيون، وطلبة اللغات، والأطباء، والخطباء، والمهندسون، والكيميائيون والفيزيائيون.. مئات الطلبة فرقتهم التخصصات العلمية والغايات المعرفية والأحلام والطموحات، وجمعت بينهم قضية فلسطين، فحملت دفعاتهم أسماء رموزها وقادتها.
المقاومة ولا تبديل..
خلال أكثر من 100 مظاهرة أسبوعية مناصرة لغزة، وضعفها من الوقفات أمام سفارات الدول الغربية؛ كانت الشعارات تحتوي على جملة "لو خضعت كل الدنيا.. لن نعترف بإسرائيل"، لكن حضورها في حفلات تخرج طلبة التعليم العالي خلال العام الجامعي 2024 - 2025 ميز المشهد وأكد الرسالة.
ففي مختلف المؤسسات حضرت أسماء قادة المقاومة، وكان إسماعيل هنية ويحيى السنوار الأكثر حضورا في المشهد، ومعهما محمد الضيف، ومروان عيسى، وإسماعيل الغول.
ولأن الرجال يعرفون بالحق والحق ما أقره الشرع، استوعب طلبة موريتانيا القاعدة فسمّوا دفعاتهم؛ مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، شهداء الطوفان، شهداء غزة، عصى السنوار، وحماة الحق، وحماس.
عباءة تخرج في العراء..
وعلى بعد خطوات من بوابة السفارة الأمريكية في نواكشوط، جمعت المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني والدفاع عن القضايا العادلة خريجي مؤسسات التعليم العالي الوطنية في نشاط وطني غير مسبوق.
الدعوة التي انطلقت من وسائط التواصل الاجتماعي لبتها دفعات عدة، من مختلف مؤسسات التعليم العالي، وحضرها مئات الطلبة بعباءات تخرجهم، رافعين شعارات منددة بتجويع سكان غزة ومناصرة للمقاومة وسكان القطاع.
وهكذا، وعلى مدى العامين الماضيين، تظهر المعطيات المجمعة والمبثوثة أن الطلاب الموريتانيون ظلوا أوفياء للمسرى وغزة، يجودون بأموالهم وأفكارهم وأوقاتهم.. يناصرون -وفق شعاراتهم وخطاباتهم- الحقيقة وأهلها، متسلحين بقيم أصيلة براها القرآن وشحذتها الألواح.. امتدادها صفاء المحيط وشموخ الجبال وشدة وعنفوان الصحراء.