أكتب هذه الخاطرة، وأنا في الأيام الأخيرة من عطلتي السنوية، وفي نواحي جميلة على مشارف مدينة الطينطان، في طريقي إلى مدينة النعمة.
لقد اخترت، بعد إذن ومباركة ودعاء من الوالد حفظه الله، أن أخصص يومين من هذه "الأيام النادرة" لزيارة الإخوة والزملاء السابقين بالشركة الموريتانية لمنتجات الألبان بالنعمة، زيارة للدعم وتقديم المشورة، إسهاما في حسن اضطلاعهم بدورهم التاريخي في وضع هذه الشركة على سكة الاستدامة، رغم التحديات المعروفة والمتجددة، وهم أهل لذلك، والله ولي التوفيق.
وبالفعل، بعد أن حظيت هذه الشركة بالإرادة السياسية القوية حول تفعيل وترسيخ دورها التنموي، وبعلاقات جيدة مع شركائها الفنيين، وممونيها الاستراتيجيين، وبنقلة نوعية في بنائها المؤسسي؛ تحتاج هذه الشركة على نحو حاسم إلى وضع هذا البناء المؤسسي موضع التنفيذ وتقوية عمل الفريق فيها.
وتصادف هذه العطلة، التي هي أول عطلة لي كعضو في الحكومة، اهتماما عاما بعطل الوزراء؛ فقد حبذ فخامة رئيس الجمهورية للوزراء والموظفين السامين أن يوظفوا عطلهم في تقوية السياحة الداخلية، والناس يرحبون بذلك؛ فالأقربون أولى بالمعروف.
يضاف إلى ذلك أن السياحة الخارجية تظهر في بعض الحالات جزءا من الموظفين العموميين كما لو كانوا في بحبوحة لم تألفها الشعوب التي يزورونها في أمثالهم. ولذلك صار للموظف العمومي مقصد شرعي في البعد عن مواطن الشبهات من خلال الاستعاضة عن الخارج بالداخل، وأعني بذلك الذين يصرفون من مدخرات وفروها بحسن تدبيرهم وحق لهم التوسيع على أنفسهم وعلى عائلاتهم.
ونظرا إلى أنه أصبح في عطل الوزراء هذه السنة حظ من المقاصد العامة؛ رأيت أن أشير إلى بعض ما قد يهم قراء هذه الصفحة الشخصية.
بوصفي من سكان نواكشوط التقليديين، كان الأصل بالنسبة لي قضاء العطلة وتلمس دروب السياحة العائلية فيه، إلا أن واجب حسن صحبة الوالد حفظه الله حسم لي منذ سنوات أن أكون في أي فرصة طالت أو قصرت معه في حاضرة الأهل في الصفا بمقاطعة كرمسين.
وفي الأيام الماضية من عطلتي هذه، التي وصلت في يومها الأول إلى حاضرة الصفا المذكورة، كان الحديث مع الناس، في الحاضرة ومع بعض الزائرين من جهات المقاطعة الأخرى، حول هموم مختلفة، أبرزها استعجال شبكة الماء في عاصمة المقاطعة واستعجال تشغيل خط الكهرباء من مانانتالي الرابط بين روصو وتكند والعابر للمقاطعة. كما كان أكثر ما يهم الزائرين لي هو التوصية بحاجة الشباب إلى فرص عمل.
وقد أتيحت لي في اليومين الأولين من عطلتي المساهمة بتعجيل تزويد شبكة مياه الحاضرة بمولد كهربائي، بسرعة تفاعل مشكورة من طرف وزارة المياه ممثلة في المكتب الوطني لخدمات الماء في الوسط الريفي؛ مما يحل مشكلا مزمنا لانقطاع الماء كليا في أيام الخريف الماطرة الغائمة.
كما كان المقام لأيام في الحاضرة فرصة للتنسيق مع أولياء التلاميذ المترشحين للباكلوريا العلمية القادمة لتنظيم دورة تحضيرية في المواد الأساسية.
من ناحية أخرى، كانت الأيام الماضية فرصة نادرة للقراءة الأفقية، بصفاء ذهني لا يتاح كثيرا، في كناش ثري حول أفضل الممارسات العالمية في مجال التنمية الحيوانيّة؛ مما يفتح المجال لاستلهام أفكار عملية من بعض التجارب الناجحة التي لها قواسم مشتركة معينة مع سياقنا، كتجربتي البرازيل والهند، وتجارب في الفضاءين المحاذيين لنا من الجنوب والشمال.
ونيتي العودة إلى الدوام بحر الأسبوع القادم، إن شاء الله.
وآمل أن يعود الذهن أكثر نشاطا في التركيز اليومي على الفعل الأهم والمهم، وعلى تحري الصواب، وتعود النفسية أكثر جلدا على الحضور في واجهة الشأن العام.
وأسأل الله السداد والعون؛ قبل ذلك، وأثناءه، وبعده.
ووفقنا الله جميعا لما فيه خير البلاد والعباد.