على مدار الساعة

عندما يصبح حلق شعر الرأس عقوبة: انتكاسة حقوقية في أرض الرجال..

15 أغسطس, 2025 - 17:03
السيد ولد الغيلاني - المدعي العام لدي المحكمة العليا سابقا - -رئيس المحكمة العليا سابقا

ليس بسبب أن الشاب الناشط البيئي علي ول بكار من الأخوال أن أكتب هذه السطور، وأندد بما جري فحسب، بل ولأنه كذلك تعرض لمعاملة بدنية ومعنوية سيئة للغاية ومخلة بالشرف، ولأنه أخيرا من بين آلاف الشباب الذين يؤمنون بأن لدى بلدهم من المصادر البشرية والموارد الطبيعية ما يرقي به إلى مقدمة الدولة الناشئة.

 

فما تعرّض له هذا الناشط ليس مجرد ‎انتهاك فردي، بل هو نموذج مصغر لثقافة سلطوية متجذرة تقوم على تكميم الأفواه وتغليب منطق القمع على دولة القانون والمؤسسات.

 

‎لتحليل هذه الحادثة؛ نعرض أبعادها القانونية والسياسية والرمزية، مع تقديم حجج بسيطة وبديهية تدعم التنديد بهذا الفعل.

 

أولاً: البعد القانوني؛ خروقات جسيمة:

1. انعدام الأساس القانوني للحبس:

لا يوجد في التشريع الموريتاني نص يجرّم نشر "معلومات مغلوطة" إلا في سياق القذف أو الافتراء، ما لم تُثبت الدولة أن المحتوى كان ضارًا بالأمن العام وفق معايير دقيقة.

 

أما حلق شعر الرأس قسرا:

- فيخالف المادة: 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحظر المعاملة القاسية أو المهينة،

- يمثّل شكلاً من أشكال التعذيب الرمزي، يُقصد به الإذلال والإخضاع وليس العدالة،

- يذكّر بممارسات الأنظمة الشمولية، ويعدّ عقوبة اجتماعية غير مكتوبة لا مكان لها في دولة القانون.

ثانياً: البعد السياسي – تكريس الدولة البوليسية:

1. استخدام المؤسسة العسكرية (الدرك لممارسة العقوبة، يعكس عسكرة الحياة المدنية)، وتجاوزًا للسلطة القضائية،

2. غياب الرد المؤسسي: الوزارة المعنية لم تكلف نفسها نشر بيان توضيحي، بل اعتمدت على القوة الأمنية كوسيلة وحيدة للرد،

3. ترهيب مجتمعي: الهدف ليس معاقبة فرد، بل بث الرعب في صفوف النشطاء والمدونين، وإرسال رسالة مفادها: من ينتقد، يُهان.

 

 ثالثاً: البعد الرمزي: 

‎- إهانة المواطنة: حلق الشعر ليس إجراءً إداريًا بل انتهاك رمزي لهوية الإنسان وكرامته،

- مثل هذه الممارسات تُنتج كسرًا نفسيًا ومعنويًا للفرد، وتهدف لإلغاء صورته الاجتماعية أمام محيطه،

- تعيد إلى الأذهان أساليب الاستعمار (الفرنسي خاصة) التي كانت تستخدم الوسائل الرمزية لإهانة المقاومين.

 

رابعاً: التداعيات الخطيرة:

- فقدان الثقة في العدالة: حين تعجز مؤسسات الدولة عن حماية الحريات، يتجه الناس نحو السخط أو العنف،

- تآكل شرعية الدولة: تبرير القمع باسم الأخبار الزائفة يسقط الدولة في التناقض، فكيف تصف نفسها بأنها ديمقراطية وتمارس هذه الانتهاكات؟

- عزلة الدولة دوليًا في زمن الرقابة الدولية على حقوق الإنسان، مثل هذه الأفعال قد تجر موريتانيا إلى لوائح سوداء.

 

خامساً: الرد المطلوب:

- تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في حادثة الاعتقال وسوء المعاملة،

- اعتذار رسمي من الدولة ورد الاعتبار للمدون،

- إطلاق حملة تشريعية لتجريم كل أشكال العقوبات غير القانونية،

- تعزيز حرية التعبير وضمان سلامة المدافعين عن البيئة وحقوق الإنسان.

 

أخيرا وليس آخرا:

ما حصل مع اعل ولد بكار هو امتحان حقيقي للدولة الموريتانية: إما أن تختار طريق الديمقراطية وسيادة القانون، أو أن تغرق في مستنقع السلطة الأمنية. وعلى المجتمع المدني والإعلام والنخبة أن يتحملوا مسؤولياتهم في هذه اللحظة المفصلية.

 

نواكشوط في 14 أغسطس 2025