على مدار الساعة

مالي... أبعاد المحاولة الانقلابية الأخيرة في ظل الصراع الدولي على الساحل

15 أغسطس, 2025 - 14:40
حسين أغ عيسى لنصاري - صحفي مختص في الشؤون الأمنية بمنطقة الساحل

تشهد مالي منذ الانقلاب على الرئيس الراحل إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020، ثم الانقلاب المضاد في مايو 2021 الذي أوصل العقيد آسيمي غويتا إلى السلطة، أزمة سياسية وعسكرية متصاعدة. بلغت هذه الأزمة ذروتها مع إعلان السلطات يوم 14 أغسطس 2025 عن إحباط محاولة انقلابية جديدة، تعد الأكثر خطورة منذ استيلاء غويتا على الحكم، مما يكشف عن تعقيدات المشهد السياسي، وتشابك المصالح الإقليمية والدولية في هذا البلد الإفريقي المضطرب.

 

في قلب هذه الأزمة، يبرز الجنرال عباس ديمبيلي كشخصية محورية، هذا القائد العسكري، الذي تدرج في المناصب العسكرية الحساسة من قيادة وحدة "الكوماندوز المتطوعون" إلى قيادة المنطقة العسكرية في تمبكتو ثم منصب والي موبتي، الولاية الأكثر تعقيداً من الناحية الأمنية، لمدة أربع سنوات، كان المرشح الأبرز لقيادة الدولة في حال نجاح الانقلاب. يتمتع ديمبيلي بتدريب عسكري متميز في كل من فرنسا والولايات المتحدة، وخبرة قتالية واسعة أبرزها مشاركته في معركة كونا عام 2013.

 

إبعاد ديمبيلي المفاجئ عن منصبه كوالي موبتي، رغم شعبيته الكبيرة بين صفوف الجيش والسكان المحليين، يثير تساؤلات حول دوافع انخراطه في المحاولة الانقلابية، هذا التطور يمثل عمق الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية بين تيارين رئيسيين: أحدهما موال لروسيا والتحالف مع مجموعة فاغنر (الفيلق الأفريقي)، والآخر يحتفظ بعلاقات وثيقة مع الغرب، في وقت يعاني فيه الجيش على ما يبدو من استياء متزايد من سياسات غويتا وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

 

إلى جانب ديمبيلي، تورط في المحاولة الانقلابية الجنرال نيما ساغارا، القائدة السابقة للمنطقة العسكرية الشمالية، والتي تعد المرأة الوحيدة التي وصلت إلى هذه الرتبة العسكرية الرفيعة في تاريخ مالي العسكري، والفرنسي يان فيز يليه برنار الذي اتهمته السلطات المالية بالعمل لصالح المخابرات الفرنسية. اعتقال هذا المواطن الفرنسي مثل نقطة تحول في العلاقات المتوترة أصلاً بين باماكو وباريس.

 

هذه التطورات تأتي في سياق تصاعد التوتر بين مالي وفرنسا منذ طرد القوات الفرنسية عام 2022، مقابل تعزيز التحالف مع روسيا الذي تجلى مؤخراً في الزيارة المهمة لوزير الدفاع المالي إلى موسكو برفقة نظرائه من النيجر وبوركينا فاسو، في توقيت مثير للاهتمام تزامن مع المحاولة الانقلابية.

 

لكن قراءة الأحداث تتطلب نظرة أعمق من مجرد صراع على النفوذ بين القوى الكبرى، فإبعاد ديمبيلي، الذي كان يتمتع بشعبية واسعة في المؤسسة العسكرية، ومتابعة شخصيات سياسية بارزة مثل شوغيل كوكالا ميغا رئيس الوزراء السابق الذي كان الرجل السياسي لغويتا قبل أن يُقال بسبب خلافات داخلية، وموسى مارا رئيس الوزراء الأسبق الذي يشن منذ سنوات حملة ضد تأجيل الانتخابات، كلها عوامل تدفع للتساؤل: هل نحن أمام محاولة انقلابية حقيقية، أم أنها عملية "تطهير" استباقية من قبل غويتا ورفاقه لتصفية الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي والعسكري؟

 

الحقيقة أن هذه التطورات لا يمكن فهمها بمعزل عن الصراع الدولي المحتدم في منطقة الساحل. فمالي، التي ظلت لعقود حليفاً تقليدياً لفرنسا، تشهد منذ 2021 تحولاً جذرياً في تحالفاتها نحو روسيا، تجسد في التعاون العسكري المتنامي مع مجموعة فاغنر والفيلق الأفريقي حديثاً. في المقابل، اتهامات باماكو لفرنسا بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية عبر المواطن الفرنسي المعتقل تعيد إلى الأذهان أساليب الحرب الباردة، وتكشف عن عمق الأزمة في العلاقات بين البلدين.

 

في خضم هذه المعادلة المعقدة، تبرز عدة تداعيات خطيرة: على الصعيد العسكري، قد نشهد حملة تصفية واسعة في صفوف الجيش تطال كلا المعسكرين الموالين لروسيا والغرب. سياسياً، من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة متابعة المزيد من الشخصيات المدنية البارزة، أما المفارقة الأكثر إيلاماً فهي أن كلا الطرفين الدوليين المتصارعين، روسيا وفرنسا يقدمان نفسيهما كحلفاء لمالي، بينما يغذيان بشكل مباشر أو غير مباشر أسباب عدم الاستقرار في البلاد.