على مدار الساعة

فوضى القوانين

15 أغسطس, 2025 - 14:00
أحمد يعقوب – أستاذ جامعي

تفاجأت كثيرا لما راجعت بعض الإحصائيات المتعلقة بعدد التشريعات التي تصدر في دول عظمى مثل الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة، لأجد أن عدد القوانين التي تصدر سنويا عن الجهات التشريعية الأساسية في هذه البلدان ونحوها قد يساوي متوسطها أقل أحيانا من المتوسط الذي يصدر في موريتانيا، التي يمكن أن تكون ولاية صغيرة في واحدة من هذه الدول من حيث الحجم الديموغرافي على الأقل.

 

ومن هنا فلا غرابة أن تتصدر مشكلة فوضى القوانين تقارير من طلب منهم تقييم الأوضاع الحقوقية والاقتصادية في موريتانيا من خبراء اقتصاديين ومؤسسات حقوقية ومتخصصين في مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال. ولم يُجمع هؤلاء على شيء أكثر من اتفاقهم على أن هناك وفرة في المعروض من القوانين، وهذه الوفرة بدل أن تحل المشاكل صار التنسيق بينها إشكالية أخرى تضاف للمشكلة التي سُن القانون لحلها، بل صارت أحيانا توفر مخارج آمنة بين هذه التشريعات للمتحايلين على القانون.

 

ومما يزيد الأمور تعقيدا على تعقيد كثرة التعديلات الجزئية التي تصدر على قوانين أو مراسيم سارية، مثل الحذف والإضافة والاستبدال والتقديم والتأخير الذي قد يكون في أمور جزئية صغيرة، وأحيانا بعد بدء تطبيق القوانين بوقت قصير جدا، ما يعني أمرين: أن القوانين المعدلة هذه لم تعدّ إعدادا جيدا قبل الإصدار فكانت بحاجة لصيانة دائمة، وأنها لم تطبق في الميدان بشكل كاف يعطي صورة واضحة عن أوجه الكمال والنقص فيها، وكل ذلك لا بد له من الوقت والتجربة.

 

لا أتحدث هنا عن الحق القانوني للجهات التي يكفل لها الدستور حق التشريع ضمن اختصاصها، فالكل يعرف أن الجهات التشريعية لا حدود قانونية لما يمكن أن تصدره من قوانين ومراسيم وقرارات ومقررات وتعديلات حسبما تشاء، لكن هذه المشيئة المطلقة لا بد أن تحدها حدود إن لم تكن تشريعية فلتكن واقعية وأخلاقية ومصلحية وربما سياسية.

 

إننا قبل القانون بحاجة إلى قانون للقانون، يضمن الانسجام بين القوانين، وسهولة استيعابها وتطبيقها، لا على العامة فقط، بل على القانونيين والمحامين والقضاة والمستشارين وكل من له علاقة بإنفاذ القانون. ولا تكفي هنا الرقابة الدستورية وحدها، لأنها جزء من كل، ولا تتجاوز زاوية واحدة من زوايا هذا الانسجام التشريعي المرغوب.

 

إن كل قانون يصدر هو في النهاية عبارة عن حد من الحرية والبراءة الأصلية التي عليها يولد الناس، وأهم سؤال يجب أن نجيب عليه قبل إصدار أي تشريع جديد أو تعديل على آخر قديم هو هل الناس بحاجة لهذا القانون أو هذا التعديل؟ وهل في القوانين المعمول بها ما يغني عنه أو يسد مسده؟ ولا شك أن كل مختص أو متابع يلاحظ صدور قوانين كثيرة متخصصة وفي القوانين الجنائية والمدنية المطبقة ما يغني عنها، ولا تضيف عليها سوى قليل من المصطلحات، وشيء من العقوبات والتعويضات، وكثير من التعقيدات.