حسب التعليق العام رقم. 13. للجنة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية - الجهاز المعني برصد تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – "... يرتهن إنفاذ الحق في التعليم بتحقق الحرية الأكاديمية للأطقم التدريسية وللطلاب."، وكذلك يرتهن وجود الحرية الأكاديمية نفسها بتحقق استقلالية حقيقية لمؤسسات التعليم العالي.
تدخل الحرية الأكاديمية كذلك مكونا أساسيا في حق آخر، هو الحق في حرية الرأي والتعبير.
ولما لها على ذلك من أهمية شكلت محل عناية وضمان من العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية من قبيل: "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، توصية منظمة اليونسكو بخصوص وضع أفراد التعليم في التعليم العالي، 1997، توصية منظمة اليونسكو بخصوص العلم والباحثين العلميين، 2017....
سنة 2020 اعتبر تقرير أنجزه المفوض الخاص للأمم المتحدة بخصوص تطوير وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير عن موضوع حماية الحرية الأكاديمية وما لها من أهمية بالنسبة لهذا الحق، أن هذه الحرية تتطلب استقلالية المؤسسات؛ بحيث يجب أن تتمتع المؤسسات التعليمية والبحثية بالاستقلالية في إدارة شؤونها الداخلية، واتخاذ القرارات المتعلقة بالتعليم والبحث، وتحديد المناهج والبرامج، وتعيين الكادر الأكاديمي، وتخصيص الميزانيات، دون تدخل خارجي غير مبرر.
من منظور المعايير الدولية بالنسبة لاحترام الحق في التعليم، وفى حرية التعبير لن يكون قطاع التعليم العالي الجهة الأنسب لإبراز مثالية تقيد موريتانيا بإعمال تلك المعايير؛ بفعل واقع الحرية الأكاديمية وتفشي خرق القوانين المنظمة للقطاع على ما في تلك القوانين أصلا من هدر لاستقلالية مؤسسات التعليم العالي:
فإذا كان القانون رقم: 2010-043، بتاريخ: 21 يوليو 2010، المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، قد منح المجالس المنتخبة من الأساتذة على مستوى الكليات والجامعة صلاحية انتخاب وتعيين العمداء ونوابهم؛ حينما نص في (المادة: 22) منه: "يعين كل من العميد والمدير من طرف مجلس إدارة الجامعة بعد انتخابه من مجلس مؤسسته. تحدد صلاحيات كل من العميد والمدير وشروط قبول ترشحهما وطرق انتخابهما بموجب مرسوم."
أما نائب العميد أو المدير فيعينهم مجلس إدارة الجامعة بناء على اقتراح من العميد (المادة: 22)، فإن القانون: 2016 - 068، بتاريخ 26 يونيو ،2016، المعدل لبعض أحكام القانون رقم: 2010 - 043، قد ألغى كل دور للمجالس التمثيلية للأساتذة وأصبح العميد والمدير يعينان بمرسوم "... يعين العميد والمدير وفقا لمسطرة تحدد بمرسوم" (المادة: 22 / جديدة) (حتى حينه لم يصدر ذلك المرسوم، ولا يمكن عمليا باعتبار صيغة التخصيص، الاستعاضة عنه بما ورد في أي مرسوم لم يصدر لذلك الغرض خصيصا).
ومع المرسوم رقم: 2018 - 049، الصادر بتاريخ: 16 مارس 2018، المعدل لبعض ترتيبات المرسوم رقم: 2016 - 138، بتاريخ: 21 يوليو 2016، المتضمن إنشاء جامعة نواكشوط العصرية، والمحدد لقواعد تنظيمها وسير عملها: نصت (المادة: 33 / جديدة) على: "يعين عميد الكلية أو مدير المؤسسة الجامعية من بين المدرسين الباحثين أو الاستشفائيين الجامعيين بالنسبة لكلية الطب، برتبة أستاذ محاضر أو أستاذ مبرز على الأقل، وبأقدمية لا تقل عن ثمان (8 سنوات، لمأمورية مدتها أربع (4) سنوات، قابلة للتجديد تتابعا مرة واحدة.
يجب أن يتمتع المترشح لمنصب العميد أو مدير مؤسسة جامعية بكفاءات علمية وتربوية وإدارية معترف بها."
وكما هو ظاهر، المادة لم تتطرق لجهة تعيينه ولا الآلية القانونية لذلك التعيين. لكن فقرتها الأخيرة تضمنت إشارة للترشح للعمادة من خلال نصها على أنه: "يجب أن يتمتع المترشح لمنصب العميد أو مدير مؤسسة جامعية بكفاءة علمية وتربوية وإدارية معترف بها"، مع المرسوم رقم: 2022 - 234، الصادر بتاريخ: 15 سبتمبر 2022 المعدل للمرسوم رقم: 2016 - 138، المعدل، أسقطت الفقرة الأخيرة المتعلقة بشروط الترشح لمنصب العميد والمدير؛ حيث اقتصر نص (المادة: 33 / جديدة) على أنه: "يعين عميد الكلية أو مدير المؤسسة الجامعية من بين المدرسين الباحثين أو الاستشفائيين الجامعيين بالنسبة لكلية الطب والصيدلة والأسنان، برتبة أستاذ محاضر أو أستاذ مبرز على الأقل وبأقدمية لا تقل عن ثمان (8 سنوات لمأمورية مدتها أربع (4) سنوات قابلة للتجديد تتابعا مرة واحدة."
في ظل غياب ملفت للصوت النقابي وسلوك يصعب فهمه من أساتذة التعليم العالي الممسكين بدواليب الوزارة المخصصة للتعليم العالي والبحث العلمي، دشنت مع النصوص التأسيسية لجامعة نواذيبو مرحلة جديدة تجاوزت تدهور التمثيلية داخل الهيئات القائمة على مؤسسات التعليم العالي، حيث وصلت بها إلى الحد الذي أصبح فيه تعيين رؤساء الجامعات يتم بما لا يمكنه به التعيين في الإدارات المركزية لوزارة التعليم العالي، وذلك بعد أن تم تعيين الأطقم الإدارية لجامعة نواذيبو وكلياتها ومعهدها بمقرر، في خرق صريح للنصوص الناظمة للسير الجامعات العمومية.
بنصه في (المادة: 59) منه، على أنه: "لفترة انتقالية لا تتعدى أربع (4) سنوات، فإن الرئيس، ونائبيه والأمين العام للجامعة، وكذا عمداء ومديرو الكليات، المدارس والمعاهد التابعة للجامعة، يتم تعيينهم بمقرر من الوزير المكلف بالتعليم العالي" وقع المرسوم رقم: 2025 -066، بتاريخ: 23 مايو 2025، المتضمن إنشاء جامعة نواذيبو وقواعد تنظيمها وسير عملها، مخالفا لنص (المادة: 18) من القانون رقم: 2010 - 043، بتاريخ: 21 يونيو 2010، المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، المعدل، التي نصت على: "يدير الجامعة العمومية رئيس يعين من بين المدرسين الباحثين بمرسوم لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. ويتم تحديد معايير وإجراءات اختيار الرئيس بمرسوم...
... ويساعد رئيس الجامعة العمومية نائبان وأمين عام، ويختار نائبا الرئيس من بين المدرسين الباحثين ويعينان بموجب مرسوم... ويعين الأمين العام بموجب مرسوم "ينضاف لمخالفة المرسوم للقانون – وإن كانت كافية لإلغاء المرسوم وانعدام الآثار المترتبة على الجزئية المخالفة فيه – ما اعترى المقرر رقم: 569/2025، بتاريخ: 25 يونيو 2025، المتضمن تعيين رئيس، نواب رئيس، أمين عام، عمداء ومدير معهد بجامعة نواذيبو، من مساس بالترتيبات الواردة في (المادة: 20) من المرسوم المنشئ لجامعة نواذيبو في ما يتعلق بجزء مسطرة التعيين الخاص برأي اللجنة المنبثقة عن المجلس الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي؛ ذلك أن الاستثناء الوارد في (المادة: 59) منحصر بجهة التعيين (الوزير بدل مجلس الوزراء) وآليته (المقرر بدل المرسوم) ، لكنه لم يتعرض لحيثيات مسطرة التعيين التي وردت في المادة نفسها ولم يرد استثناء بشأنها ؛ لما لها من أهمية في ترشيد قرار اختيار الرئيس، مهما كانت الجهة والآلية المعتمدة في التعيين: "يكون التعيين لاحقا على رأي لجنة منبثقة عن المجلس الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي، معينة من الوزير المكلف بالتعليم العالي، حيث يقترح الأخير على مجلس الوزراء ثلاثة أسماء لاختيار رئيس، من بين الستة الأوائل على لائحة ترتيب المترشحين، دون اعتبار للترتيب الاستحقاقي."
تبدو المخالفات القانونية الصريحة التي شابت مرسوم إنشاء جامعة نواذيبو وما تبعها من مقرر تعيين لرئيسها ونوابه وأمينها العام وعمداء كلياتها متعمدة ومع سبق الإصرار؛ فالممارسة العملية في المجال تطلعنا أنه بمناسبة إنشاء جامعة العلوم الإسلامية بالعيون بموجب المرسوم رقم: 2011 - 112، بتاريخ: 08 مايو 2011، القاضي بإنشاء جامعة تدعى "جامعة العلوم الإسلامية" وفى ظل نص (المادة: 04) منه على أنه: "يدير جامعة العيون الإسلامية رئيس يعين بمرسوم من بين الأساتذة الباحثين لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ويساعده في ذلك مجلس إدارة الجامعة."
ونص المرسوم رقم: 2011 - 113، بتاريخ: 08 مايو 2011، القاضي بتنظيم وسير جامعة العلوم الإسلامية بلعيون في (المادة: 19) على: "يدير جامعة العلوم الإسلامية رئيس يعين بمرسوم من بين الأساتذة الباحثين ذوي الأقدمية والمؤهلات العلمية العليا في الجامعة باقتراح من الوزير المكلف بالوصاية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد تتابعيا مرة واحدة ويتم تحديد معايير وإجراءات اختيار الرئيس بموجب مرسوم"، فقد عمد فعلا لتعيين أول رئيس للجامعة بجلسة مجلس الوزراء الملتئمة بتاريخ: 28 إبريل 2011.
أما العميد، وقد قضت (المادة: 36) من مرسوم تنظيم وسير الجامعة أنه: "ينتخب من بين المدرسين الباحثين في الكلية الذين يتوفرون على كفاءات تربوية وعلمية وإدارية مؤكدة، لمأمورية مدتها أربع سنوات قابلة للتجديد تتابعيا مرة واحدة.
بعد انتخاب العميد من طرف مجلس الكلية يتم تعيينه من طرف مجلس إدارة الجامعة، فإن تعاطى المرسوم: 2011 - 113 مع تلك الوضعية جاء بما لا يخالف القانون: 2010 -043، المعدل، ويراعي ظروف التأسيس؛ من خلال نص (المادة: 59) على: "خلال فترة انتقالية تسند مهام عمداء الكليات إلى مسئولين تربويين يتم تعيينهم بمقرر من وزير الوصاية بناء على اقتراح رئيس الجامعة. فبفعل غياب الهيئة الناخبة للعميد "مجلس الكلية"، تم إسناد العمادة لـ:"مسئولين تربويين"، رئيس الجامعة هو من يقترحهم، ما يحول دون تعارض تعينهم بمقرر من الوزير الوصي مع القانون المتعلق بالتعليم العالي وحتى المرسوم المنظم لسير الجامعة نفسها.
لما تقدم يطرح سؤال جوهري نفسه: هل جاء تقليص دور الأجهزة التمثيلية للأساتذة في اختيار الأطقم المديرة لمؤسسات التعليم العالي تنفيذا لرؤية حكومية. أم كان نتيجة لمجرد رغبة من المستوزرين من الأساتذة للتحكم في اختيار من تسند لهم المسئولية عن تلك المؤسسات!
في كل الأحوال ما كان الأمر ليصل حد تمرير تعيين رؤساء الجامعات بمذكرات عمل، وإنهاء مهام عمداء ومديرين لمؤسسات جامعية قبل انتهاء فترة انتدابهم، دون تعليق من أي كان، لولا الوهن السرمدي الذي اعترى الصوت النقابي لأساتذة القطاع، منذ ارتهن العمل النقابي عندهم لثنائية التأييد وعكسه.