الأخبار(نواكشوط) - ناقش ساسة وباحثون مساء الخميس السياسات الاجتماعية للرئيس محمد ولد الغزواني خلال السنوات الأخيرة، وذلك خلال طاولة مستديرة نظمها مركز محيط.
رئيسة المركز مكفولة بنت آكاط وصفت المركز بأنه يشكل فضاء نخبوي التفكير وطني الاتجاه علمي المنهج، يجتمع في جلساته رموز الدولة والمعارضة وصوت المجتمع المدني في مشهد يعبر عن نضج التجربة السياسية الموريتانية.
وأضافت بنت آكاط أن السياسات الاجتماعية ليست مجرد برامج موسمية، أو أرقام للتقارير بل مقياس العدالة، ومرآة الإنصاف في المجتمع.
نجاح السياسة الاجتماعية
المدير العام للصندوق الوطني للتأمين الصحي الوزير السابق محمد محمود ولد جعفر أوضح بأن أهم ما ميز السياسة الاجتماعية خلال فترة ولد الغزواني هو الخلفية الإنسانية وجعلها غاية، عبر استحداث التآزر وبرامج الرعاية الصحية، إضافة لتوسيع دائرة الفئات المستهدفة من النساء والشباب وارتفاع التغطية الصحية بنسبة 9%.
وأشار ولد جعفر إلى كونها تتسم بالروح الوطنية حيث يتم تنفيذها في كنف دولة الحق والقانون، كما تتسم بطابع الشمولية والاستدامة عبر تكريس روح الجمهورية وعديد الإصلاحات في المجال الاقتصادي، وكذا عدم التسرع في حصد النتائج.
رئيس جبهة المواطنة والعدالة "جمع" (تحت الترخيص) محمد جميل ولد منصور وصف حصيلة السياسات الاجتماعية منذ تسلم غزواني السلطة بالنجاح في الكليات، والارتباك إلى الفشل في الجزئيات.
وذكر أن حجم التدخلات الاجتماعية خلال هذه الفترة أحدثت فرقا مقارنة بما كان موجودا في الفترات السابقة، سواء من حيث التآزر وبرامجها والتأمين الصحي وتوسعه والدعم المباشر الذي يتم عبر أكثر من مؤسسة.
المفوض المساعد للأمن الغذائي الإمام ولد عبداوه ذكر أن دعم الفئات الهشة من أجل أن تكون شريكا في الاقتصاد نابع من فهم هذا النظام لإشكال الفئات الهشة، إضافة لوضعها في ظروف ملائمة باعتبارها معرضة للكوارث وارتفاع الأسعار.
وذكر ولد عبداوه أن كثيرا ممن يقيمون السياسات الاجتماعية يتجاوزون الرؤية واستيعاب الإشكالية إلى التساؤل عن النتائج.
من جانبه أوضح الإمام بون عمر لي أن تصنيف وزارة الشؤون الإسلامية كوزارة سيادية شكل اعترافا لفئات لم تكن مصنفة، إضافة لاكتتاب الأئمة المؤذنين وتوسيع دائرة المستفيدين من الرواتب التي تقدمها الوزارة للأئمة وشيوخ المحاظر.
وشدد على أن المطلوب هو توسيع دائرة الاكتتاب وكذا زيادة الإمكانيات المرصودة للقطاع، إضافة لضبط عمل المحاظر.
المستشارة بالوزارة الأولى خديجة اسغير امبارك رأت أن العمل الاجتماعي انتقل منذ تسلم غزواني السلطة من اللحظة الإغاثية، إلى المشاريع ذات طابع الاستدامة عبر دمج أصحاب الطبقات الهشة في التمدرس، ورفع الحد الأدنى للأجور وكذا مضاعفة دعم التعاونيات.
النائب البرلماني أحمد جدو الزين أكد أن السياسات الاجتماعية شهدت تحسنا عبر حضورها البارز في خطابات الرئيس محمد ولد الغزواني، فضلا عن المؤسسات المستحدثة التي أخذت منحيين أحدهما مرحلي، والآخر استراتيجي.
وأكد ولد الزين أن هذا التحسن انعكس بشكل واقعي على المواطنين عبر التأمين الصحي، وكذا مجانية الإنعاش، إضافة لبناء حي حياة جديدة الذي يتوفر على الخدمات الأساسية.
وذكر ولد الزين أن من بين ما تم تجسيده على أرض الواقع هو قرار ترسيم العمال في عدد من القطاعات، وكذا استحداث شركة معادن، ما جعل المشاريع المرحلية تطغى على تلك الاستراتيجية.
إخفاق السياسة الاجتماعية
الدكتور ديدي ولد السالك أكد أن تقييم السياسات الاجتماعية يتم عبر معرفة نتائج الاستراتيجية المتبعة في تسيير هذه القطاعات، أو الاكتفاء بالخطابات الرسمية وهو خيار مريح.
وأضاف أن الخيار الثالث هو مقارنة الباحثين للمعطيات الواقعية بما هو مرسوم في هذه السياسات، فيما يتيح الخيار الرابع الاعتماد على التقارير الدولية.
وذكر ولد السالك أن مشكل التعليم القائم منذ ثلاثة عقود كلما رسمت له استراتيجية فشلت في إيجاد حلول له وآخرها إصلاح 1999، وأن إمكانية إنتاج خريجي التعليم لا تتجاوز 32 إلى 34% في حين تتجاوز التسعين بالمائة في بعض دول العالم.
وأشار إلى أنه بالرجوع إلى عام 2023 والتفاخر بنسبة النجاح التي بلغت 23% بينما أقرب دولة مجاورة غينيا كانت نسبة النجاح فيها 51%.
ولفت إلى أنه ووفق معطيات الاستفسار عن حقيقة تحسن التعليم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تبين أنه ليس بتحسن في المستويات وإنما توسع في الاختلاسات.
واستعرض ولد السالك الإخفاقات القائمة في التعليم على مستوى البنى التحتية، وظروف المدرسين، وكذا الإنفاق عليه، معتبرا أنه لا يمكن في أفق العشرين سنة القادمة التقدم بأي خطوة إذا لم يتلافى مشروع المدرسة الجمهورية.
الوزير محمد ولد عابد ذكر أن السياسات الاجتماعية في منطوقها تتنافى مع معطيات تنزيلها على أرض الواقع، مشيرا إلى أنه آن الأوان لأن نكون صريحين ونقيم السياسات وفق مبدإ سليم.
الدكتور العباس ابرهام رأى أن موريتانيا تعاني من أزمات متداخلة بدء بتزوير الانتخابات، مرورا بالاحتقان الاجتماعي، ووصولا إلى الأزمة الاقتصادية القائمة بسبب فشل السياسة التنموية.
وأضاف أن هذه المقاربة أنتجت ارتفاع الديون الذي يتجلى عبر تضاعف عائدات الضرائب، مردفا أن هذا الواقع أفرز هجرة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
واستغرب من تحول المخدرات إلى سوق داخلي، فبدل أن يقدم النظام حلولا لمواجهتها، يتجه نحو استصدار قوانين لتكميم الأفواه.
النائب يحي ولد أبوبكر أكد أنه لا يمكن إنكار الواقع الاجتماعي المختل عبر إشكال الوحدة الوطنية، معتبرا أن الخطاب الرسمي للرئيس محمد ولد الغزواني وإن كان يعترف بالإشكال فإنه لم يقدم حلولا عملية لتسويته.
وأشار إلى أن هذا الاختلال والتمايز يظهر جليا في التشكلة الديموغرافية لمدينة نواكشوط، وعدم التساوي في الولوج إلى مراكز القرار، وهو ما يتطلب إيجاد تفكير يحدث توازنا اجتماعيا.
واعتبر ولد أبوبكر أن ما يتم تقديمه عبر مختلف عناوين الدعم الاجتماعي يكون موجها سياسيا، ويتم منه على المستفيدين منه.
النائب البرلماني محمد الأمين سيدي مولود أوضح أن السياسة الاجتماعية منذ تسلم غزواني السلطة يمكن محاكمتها عبر محور تعهداتي الذي التزم فيه الرئيس بضمان منح ملكية عقارية لصغار المزارعين وبتجميع مجمل البرامج في وكالة واحدة وهو ما لم يتم.
كما التزم – يضيف ولد سيدي مولود - بإنشاء 10 آلاف وحدة سكنية لصالح الأحياء الهشة وما تم تنفيذه منها يمثل قرابة 20% وبأسعار غالية، فضلا عن المبالغ الكبيرة المرصودة للقطاعات المعنية بالشؤون الاجتماعية وضعف مردوديتها وتداخل صلاحيات التآزر مع باقي القطاعات.
وأشار ولد سيدي مولود إلى أن النظام الحالي متخصص في مخالفة القوانين التي استحدثها بنفسه والتي من بينها قانون الاحتكار، مضيفا أن مشكلة وزارة الشؤون الاجتماعية تكمن في نقطتين هما الشفافية والجدوائية.
ولفت إلى أن صندوق كورونا كان أول اختبار لهذا النظام في المجال الاجتماعي، حيث تم صرف 700 مليون تحت بند مصاريف أخرى، فيما خصصت 130 مليون للإعلام العمومي وتم تجاهل الإعلام المستقل.
وشهدت الجلسة مداخلات وتعقيبات لعدد من المشاركين.