يُروّج نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لما يُسمى "الحوار الوطني" كما لو أنه بارقة أمل في ليل سياسي طويل. لكن الواقع أبعد ما يكون عن ذلك؛ فالتجربة الموريتانية علمتنا أن مثل هذه الحوارات لا تصنع تغييرًا، بل تعيد تدوير نفس الوجوه التي فشلت سابقًا.
والفضيحة الأخلاقية الكبرى أن وزراء ومديرين وُصفوا سابقًا بالفاسدين في عشرية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز هم اليوم جزء من الطاقم "المقرب جدا" من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يتصدرون المشهد بكل ثقة وكأن شيئًا لم يكن.
الطامة الكبرى تكمن في أن وزراء الحكومة الموريتانية الحالية خليط بين وزراء سابقين لم ينجحوا في إدارة القطاعات التي عهدت إليهم وبين وزراء جدد لم ينجحوا حتى في إدارة شركات صغيرة، بل أن البعض منهم تشهد الديون المتراكمة، في فترته، على فشل وسوء إدارته، ومع ذلك يُكلّفون اليوم بإدارة قطاعات حيوية يرتكز عليها اقتصاد البلد. فهل ننتظر منهم إصلاحًا؟ بل هل نثق في قدرتهم أصلًا على رسم ملامح مستقبل يُراد له أن يكون وطنيًا؟
إذا كان الهدف حقًا هو المواطن، فلماذا لا يتوجه الرئيس إليه مباشرة؟ لماذا تُحتكر تمثيلية المواطن في أحزاب انتهت صلاحيتها السياسية، ولا تُحركها إلا المصالح المالية؟
لقد بات من الواضح أن لا وجود لأي مبادئ حزبية تُحرك النخب، بل حسابات بنكية وانتفاع من التعيينات الإدارية والسياسية. إن هذا الحوار، بالشكل الحالي، لا يخدم سوى فئة قليلة (نخبة السلطة)، تُعاد فيه صياغة الولاء وتُوزّع فيه المنافع، أما المواطن... فمكانه كالعادة خارج القاعة.