على مدار الساعة

رويترز: تصاعد هجمات القاعدة يحيي شبح الخلافة في غرب إفريقيا

19 يوليو, 2025 - 13:07

ترجمة الأخبار

في فجر فاتح يونيو بددت نيران الأسلحة سكون القاعدة العسكرية الواقعة في مدينة "بولكيسي" المالية. لقد اجتاح متطرفو مجموعة مرتبطة بالقاعدة هذا المعسكر، وهو ما فاجأ الجنود الذين تم نشرهم حديثا. وقد هرعت بعض القوات في هذه القاعدة الواقعة بالقرب من الحدود الجنوبية لمالي مع بوركينا فاسو، بحثا عن ملجأ، بينما فر آخرون إلى الأدغال، وفقا لما قال أحد الجنود تحدث إليه ناجون من الهجوم.

 

وقد طلب الجندي الذي أنهى جولة في المعسكر قبل أسبوع، عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى الصحفيين.

 

بعد ساعات من هذا الهجوم، انتشرت مقاطع فيديو على الأنترنت، يظهر فيها مقاتلون من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مبتهجين وهم يدوسون على جثث الجنود.

 

وزعمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أنها قتلت 100 جندي، وأظهرت حوالي 20 جنديا قالت إنها أسرتهم، فيما لم تتمكن رويترز من التحقق من هذه المزاعم بشكل مستقل.

 

لقد كان هجوم "بولكيسي" واحدا من أكثر من 12 هجوما مميتا شنته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على مواقع وبلدات عسكرية في جميع أنحاء مالي وبوركينا فاسو والنيجر خلال شهري مايو ويونيو، وزعم مقاتلو الجماعة أنهم قتلوا أكثر من 400 جندي خلال تلك الهجمات، بينما لم تعلق الحكومة العسكرية في مالي على عدد القتلى.

 

تحدثت رويترز إلى 5 محليين بينهم خبير وزعيم مجتمعي في المنطقة، وقال هؤلاء إن تصاعد العنف يعكس تحولا استراتيجيا لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي جماعة أسسها إسلامي مخضرم صعد إلى الصدارة إثر السيطرة لفترة وجيزة على شمال مالي عام 2012.

 

وأضاف هؤلاء أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، تنتقل حاليا من تكتيكات حرب العصابات في الأرياف، إلى حملة تهدف إلى السيطرة على المناطق المحيطة بالمراكز الحضرية، وتأكيد هيمنتها السياسة في منطقة الساحل.

 

وقال مشاهد دورماز كبير المحللين الأفارقة في مجموعة "فيرسك مابلكروفت Versik Maplecroft" إن الهجمات الأخيرة تعكس "جهدا ملموسا لتطويق عواصم الساحل، بهدف إقامة دولة موازية تمتد من غرب مالي إلى جنوب النيجر، وشمال بنين".

 

ووفقا لبيانات مجموعة "أكليد ACLED" فقد أسفرت هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عن مقتل أزيد من 850 شخصا في جميع أنحاء مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، في مايو، بزيادة عن متوسط معدل القتل البالغ 600 خلال الأشهر السابقة.

 

إن ارتفاع الهجمات في شهري مايو ويونيو، عكس أننا أمام أكثر الفترات دموية في التاريخ الحديث للساحل، وأخطر تهديد تشكله الجماعات الجهادية، في وقت تبتعد فيه الحكومات الإقليمية عن تحالفات عسكرية غربية سابقة، وفقا لما يقوله المحللون.

 

لقد تسبب أكثر من عقد من التمرد بالساحل، في نزوح جماعي وانهيار اقتصادي. وانتشر العنف بشكل مستمر في غرب إفريقيا مما يهدد الاستقرار الإقليمي، ويغذي الهجرة نحو أوروبا.

 

في الأول من يوليو، نفذت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجمات متزامنة على معسكرات للجيش مواقع في 7 مدن بوسط وغرب مالي، وفقا لبيان للجيش ومزاعم للمتمردين.

 

وقال الجيش إن 80 متمردا قتلوا. ولم تتمكن رويترز من الوصول إلى جبهة نصرة الإسلام والمسلمين للتعليق. وتصدر الجماعة بياناتها وفيديوهاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وليس لديها متحدث باسمها.

 

ولم يرد الجيش المالي على طلبات رويترز للتعليق على موجة هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وقال في بيان بعد هجوم بولكيسي إن القوات ردت بعنف قبل الانسحاب، وأضاف البيان: قاتل العديد من الجنود وبعضهم حتى لفظ أنفاسه.

 

التحول الاستراتيجي 
كان لزعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد أغ غالي دور محوري في تحولها.. وهو زعيم سابق للمتمردين خلال انتفاضات الطوارق بمالي في تسعينيات القرن الماضي، وكان قائدا لجماعة أنصار الدين الأصولية التي شكلت جزءا من تحالف الجماعات التي سيطرت على شمال مالي لفترة وجيزة عام 2012.

 

لقد فرض المسلحون نسخة صارمة من الشريعة الإسلامية، فحظروا الموسيقى، وأقاموا الحدود كعقوبة على الجرائم، ونفذوا عمليات إعدام وجلد علنية.

 

على إثر ذلك فر الآلاف، ودمرت المواقع الثقافية، ما خلف صدمة في المنطقة، قبل أن يطرد المتمردون بتدخل عسكري فرنسي في العالم التالي.

 

ويعتبر أغ غالي مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

 

حاليا يتعهد القادة العسكريون في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الذين استولوا على السلطة بين عامي 2020 و2023، باستعادة الأمن قبل إعادة بلدانهم إلى الحكم الديمقراطي.

 

لقد قطعوا علاقاتهم مع الدول الغربية، وطردوا قواتها، ملقين باللوم عليها لفشلها في إنهاء أعمال التمرد، ولجؤوا بدلا من ذلك إلى روسيا للحصول على الدعم العسكري. وبعد نشر المرتزقة مني الروس أيضا بانتكاسات، ولم يتمكنوا من احتواء الانتفاضات.

 

في بوركينا فاسو وهي دولة تناهز مساحتها نصف مساحة فرنسا، يمارس المسلحون نفوذا أو سيطرة على ما يقدر بنحو 60% من الأراضي وفقا لمنظمة أكليد.

 

لقد نصب أغ غالي الذي أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة، نفسه زعيما لتحالف جهادي يضم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة المرابطون، وكتيبة ماسينا، بعد اندماجهم في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عام 2017.

 

وصرح مصدر أمني غربي طلب عدم كشف هويته لأنه غير مخول بالتحدث علنا، لوكالة رويترز أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين برزت كأقوى جماعة مسلحة في المنطقة، حيث يقدر عدد مقاتليها بما يتراوح بين 6 آلاف و7 آلاف مقاتل.

 

وقال المحللون إن هدف أغ غالي هو فرض الحكم الإسلامي في جميع أنحاء منطقة الساحل، وتوسيع نفوذها إلى غرب إفريقيا، وهي منطقة تبلغ مساحتها ضعف مساحة أوروبا الغربية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 430 مليون نسمة، وكثير منهم مسيحيون.

 

وفي مقطع فيديو نادر نشر دجمبر 2023، ندد أغ غالي بالحكومات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ودعا المسلمين إلى التعبئة ضدهم وحلفائهم الروس.

 

ولم يتسن الوصول إلى أغ غالي للتعليق، كما لم تستجب حكومات مالي وبوركينا فاسو والنيجر لطلبات التعليق.

 

تكتيكات متطورة وتواصل محلي 

قال دورماز إن تكتيكات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في ساحة المعركة ازدادت تعقيدا، بما في ذلك استخدام الأسلحة المضادة للطائرات المسيرة للمراقبة والضربات الدقيقة. 

 

واعتبر المحللون الخمسة أن الجماعة جمعت موارد ضخمة في نفس الوقت من خلال الغارات وسرقة المواشي، والاستيلاء على البضائع، وعمليات الخطف، وفرض الضرائب على المجتمعات المحلية.

 

وفيما لم تعين الجماعة مسؤولين محليين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فرضت ضريبة "الزكاة" للحماية، وفقا لاثنين من السكان ومقاتل سابق في الميليشيات.

 

لقد قمع هؤلاء بعض النزعات الطائفية وفرضوا نمطا جديدا من الشريعة الإسلامية، حيث ألزموا النساء بارتداء الحجاب، والرجال بإطلاق اللحى، لكنهم امتنعوا عن فرض عقوبات صارمة مثل قطع أيدي اللصوص. 

 

ووصف هيني نسايبية كبير محللي شؤون غرب إفريقيا في مركز أبحاث الأحداث والصراعات المسلحة نشاط هؤلاء بأنه يعد "تغييرا جذريا"، وقال إن سيطرة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على مدينة جيبو شمالي بوركينا فاسو، والتي يزيد عدد سكانها على 60 ألف نسمة في 11 من مايو، وعلى دياباغا في الشرق، والبالغ عدد سكانها حوالي 15 ألف نسمة بعد يومين، أمر غير مسبوق.

 

وأوضح نسايبية أن المسلحين "مكثوا 11 ساعة أو أكثر في جيبو، ويومين أو 3 في دياباغا، وهذا أمر لم نشهده من قبل". وأكد أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين استولت في جيبو على أشياء تقدر قيمتها بـ3 ملايين دولار.

 

وأثارت الهجمات المتكررة حالة من عدم الاستقرار في عاصمتي مالي وبوركينا فاسو، وباتت فكرة سيطرة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على باماكو أو واغادوغو، التي كانت تعتبر في السابق مستبعدة، تمثل تهديدا محتملا، وفقا لنسايبية.
ويشير المحللون إلى تواصل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مع المجتمعات المهمشة، وخاصة الفولانية وهي جماعة رعوية توجد في مناطق متفرقة وعلى نطاق واسع، كان عاملا أساسيا في تجنيد المقاتلين.

 

وقال دورماز إن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تروج لروايتها كمدافعة عن المجتمعات المهمشة. إنهم لا يقاتلون من أجل الأرض فحسب، بل من أجل الشرعية أيضا".

 

وقال أحد زعماء جماعة الفلان لرويترز طالبا عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إن الفولانيين يجدون أنفسهم مستهدفين بشكل متزايد من قبل السلطات في جميع أنحاء مالي والنيجر وبوركينا فاسو تحت لواء مكافحة الإرهاب.

 

ورغم أن الفلان ليسوا جميعا منخرطين في جماعات مسلحة، إلا أن وجودهم بارز بين المتمردين في المناطق الريفية، مدفوعا بالإحباط وقلة الفرص أكثر من الإيديولوجية، وفقا للزعيم.

 

وتمتد طموحات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الآن إلى ما وراء منطقة الساحل، فقد وسعت عملياتها إلى شمال بنين وتوغو، وتهدد دول خليج غينيا التي تستخدمها كقاعدة خلفية، وفقا للمحليين.

 

ونشر البلدان المزيد من قوات الأمن في المناطق الشمالية مع تصعيد المتمردين لهجماتهم.
 

وقال دورماز إن "توغو وبنين هما الأكثر عرضة للخطر بسبب قدراتهما المحدودة على مكافحة الإرهاب، والمظالم المحلية القائمة في مناطقهما الشمالية، وحدودهما غير المحكمة مع بوركينا فاسو".