بعد التحويلات المثيرة للجدل من حسابات خارجية لحسابات جمعيات محلية وأشخاص راج بأن السلطات أجرت تحقيقا تبين منه بحسب ما يذكر أن:
1. التحويلات المذكورة استقبلتها 16 حسابا لأشخاص وهيئات لم يشر أحد إلا إلى جهة واحدة منها، وذكر أنها كانت الأقل من بينها جميعا مما يدل على حجم الموضوع وخطورته.
2. تبين أيضا أن نوابا من الحزب الحاكم كانوا وراء حملة التشهير المسعورة على الرغم من الصرف السخي لبعض تلك التحويلات لحملة الرئيس غزواني الانتخابية (الدعم الإماراتي غير المباشر).
3. تبين أن البنك المركزي الموريتاني بلغ درجة من الهزال والضعف حدا لم يعد له دور في الرقابة على السيولة.
4. أغلب الظن أن بعض التحويلات هدفها هو تذليل الصعاب أمام تسويق "اتفاقيات ابراهام" لتزامنها مع زيارة مؤسس ورئيس مؤسسة التبادل والتعاون بين الحضارات (CECF) ونائب السفير الأمريكي، وهي مؤسسة على علاقة وثيقة مع البيت الإبراهيمي، ودعمت زيارة سلطان دارفور تلك الظنون، فتلك الأحداث لا يمكن فهمها إلا في إطار سياسة "ابسط يدك واتبعها" التي تنتهجها أبو ظبى، فإذا ما أضيف لذلك ما أشيع من أنها تدخلت لتذلل الصعاب أمام بعض المحول اليهم لم يبق من شك بأن لها يد في الموضوع.
5. حاول البعض ربط بعض التحويلات بموضوع الإتجار بالمخدرات، و على كل حال فتلك تهمة ليست بالغريبة إذ لم يسلم منها نظام من الأنظمة المتعاقبة، وكأن هناك تبادلا للأدوار على ما يبدو أو شكلا من أشكال الزبونية المتعدية غير المعلنة، ففي حقبة الرئيس معاوية اتهم بها رجل أعمال معروف قفز فجأة إلى درجة العالمية ولم تخل فترة عزيز من الهمز واللمز، ومن منا لا يتذكر فضيحة أكرا وبطلها عمر اليمنى، وتسجيلات مسؤولة مرموقة ما زالت لحد الآن تشغل منصبا فرانكوفونيا.
6. كل التحويلات المذكورة غير متولدة من نشاط إنتاجي أو خدمي بالرغم أن البعض حاول أن يضعها تحت عنوان لحجاب، وهو تصنيف أبسط ما يقال عنه إنه سخيف وجاهل إذ "لحجاب" ليس من الأنشطة المصنفة في بنود المحاسبة الوطنية، ومما يزيد الموضوع إشكالا وغموضا قبول القضاء بذلك وسكوته عليه، ولا إخال أحدا منا يجهل أن رئيس الجمهورية هو أيضا رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وهو لا يشى الاستقلالية..
7. الأموال المحولة تفوق قدرة البنوك على استيعابها في حسابات جارية، فإما أن البنك المركزي سلمها مباشرة للمحولة إليهم، وهو ما ليس من مهامه، أو أنه تجاهل الحد المسموح به للبنوك الابتدائية في استقبال الودائع إذ عادة لا يسمح للبنك الابتدائي باستقبال ودائع تفوق طاقته الائتمانية.
أضرار الأموال المحولة على الوطن والمواطن
تنقسم النقود لكتلة نقدية ومقابلها؛ فالكتلة النقدية هي كمية الأموال المتاحة للأفراد والشركات في وقت معين، وتتكون من النقود المتداولة (الأوراق النقدية والمسكوكات) والودائع تحت الطلب (مثل الحسابات الجارية).
أما مقابل الكتلة النقدية فيشير إلى العلاقة بين كمية النقود المتداولة في الاقتصاد ومستوى الأسعار والنشاط الاقتصادي بشكل عام. عندما تزداد الكتلة النقدية، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار (التضخم) إذا لم يقابله زيادة في الإنتاج.
أما التحويلات المالية غير الناتجة عن نشاط إنتاجي، فهي مدفوعات لا ترتبط مباشرة بإنتاج السلع أو الخدمات. تشمل
- التحويلات الحكومية: مثل الإعانات الاجتماعية ومدفوعات التقاعد، والتحويلات الخارجية كتحويلات الأفراد من الخارج أو المساعدات الأجنبية.
فعندما يتم تحويل أموال إلى الأفراد أو الشركات دون مقابل إنتاجي، فإن ذلك يزيد من حجم الأموال المتاحة في الاقتصاد، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات.
فإذا لم يقابل هذه الزيادة في الطلب زيادة في الإنتاج، فحتما يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار (التضخم) وهو ما يضغط على المواطن بشكل كبير، كما ما ظهر جليا في أسعار العقارات عندنا مثلا، وفي تدهر قيمة الأوقية مقابل الدولار، فبعد ما كانت وحدة النقد الأوروبية تصرف بـ50 أوقية سنة 1973 ارتفع اليورو إلى 284 أواخر عشرينية معاوية ثم إلى 460 أوقية قديمة في فترة المحمدين... وعلى الرغم من أن التحويلات المالية يمكن أن توفر شبكة أمان، إلا أن التحويلات غير المنتجة في اقتصاد متضعضع كاقتصادنا، لا تساهم في زيادة الإنتاج والنمو الاقتصادي على المدى الطويل والمتوسط. أما إذ وصلت الحد الفاحش كما هو الحال فستقتل الوطن والمواطن على المدى القصير.
ولإن كانت التوزيعات السخية للمنازل والسيارات والسيولة تساهم في تخفيف حدة المشكل وتقلل من وقع التضخم إلا أن القضاء على مصدر المخاطر يظل هو الأولى.
نستنتج مما ذكر خطورة التحويلات المالية غير المتحكم بها.. ولكن بشكل أساسي نستنتج تمالؤ السلطة السياسية - القضائية والسلطات النقدية، وعليه فإن من يثير النقع حول الأشخاص المحول إليهم ويترك السلطة شبيه بمن يطلب الرمية ويترك الرامي، فالسلطة هي المحور الأساسي الذي صدور في فلكه كل هذه المآسي، فكان من الأولى أن تتوجه الصحافة المحلية بتساؤلاتها لمحافظ البنك المركزي، فكل الملف فوق طاولته ومسؤوليته عنه لا يمكن إخلاؤها.. ثم إن محولي هذه الأموال الطائلة يجدون لهم سندا وملجأ في موريتانيا كما في المغرب وإسبانيا وهلم جرى، وهو أمر محير وغير مفهوم، اللهم في السياقات سالفة الذكر، أما سياسيا فقد استخدمت بعض الأموال المحولة للتأثير السياسي ومولت الحملات، فهي بذلك تساهم في ترك الموريتاني يرزح تحت وطأة أنظمة لا تلقى بالا إلا لمتنسبيها وزبائنهم.
وفي الأخير، ومن موقع حرصي على صيانة هيبة البلد وحماية مواطنيه، فإنني أدعو الصحافة لأن تكون مهنية ومحايدة في موضوع التحقق من مصدر الأموال، فالذي يسأل عن مصدر أموال زيد لا بد أن يسأل عن أموال عمر، وهو ما قد ينبش من النتن ما إن فاحت راحته أزكمت الكثيرين وسلم منها القليل، لذا فإننا ندعو بقوة لمعالجة جذرية للموضوع قبل فوات الأوان، وبنفس القوة نرفض الاستهداف.