شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن في 9 يوليوز 2025 قمة رفيعة جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قادة كل من موريتانيا، السنغال، غينيا بيساو، ليبيريا، والغابون. وقد مثلت هذه القمة محطة مفصلية في رسم معالم الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وغرب إفريقيا، حيث برزت موريتانيا كلاعب رئيسي ومحوري في هذه المعادلة الجيوسياسية الجديدة، بما تحمله من خصوصية موقعها الجغرافي وثقلها الأمني المتصاعد في المنطقة.
الغزواني يشيد بمبادرة ترامب للسلام
في كلمته خلال القمة، لم يتردد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في الثناء على المبادرة الدبلوماسية للرئيس ترامب التي أفضت إلى إنهاء أطول نزاع في القارة الإفريقية، وتحديداً النزاع في إقليم كاسامانس بين السنغال والمتمردين، والذي دام لعقود. كما نوه الغزواني بمحاولات ترامب نزع فتيل التوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، معتبرا أن هذه المبادرات "تعكس إرادة رجل سلام حقيقي"، مضيفاً أن "الرئيس ترامب يستحق ترشيحاً صادقاً لجائزة نوبل للسلام".
موريتانيا: بلد صغير بحجم سكاني... كبير بحجم استراتيجي
في خطابه، وصف الغزواني موريتانيا بأنها "بلد صغير من حيث عدد السكان ومؤشرات التنمية"، إلا أنه شدد على أنها "بلد كبير بموقعه الاستراتيجي على المحيط الأطلسي، وبما تزخر به أرضه من ثروات طبيعية ومعدنية واعدة". هذا التوصيف يعكس التحول الحاصل في النظرة الدولية إلى موريتانيا، التي باتت تُعتبر اليوم بوابة آمنة للانخراط في غرب إفريقيا، وشريكاً يمكن الركون إليه في ظل التحولات الجيوسياسية والأمنية المعقدة التي تعرفها منطقة الساحل.
شريك استراتيجي موثوق في الحرب على الإرهاب
لطالما لعبت موريتانيا دوراً محورياً في محاربة التنظيمات المتطرفة في منطقة الساحل، من خلال استراتيجيات أمنية متكاملة، واستباقية في التعامل مع التهديدات الإرهابية. وقد نوه الجانب الأمريكي خلال القمة بكفاءة المؤسسة الأمنية الموريتانية، والتزام نواكشوط بالمعايير الدولية في مجال مكافحة الإرهاب، ما يجعلها شريكاً لا غنى عنه في هذا الملف الحساس.
الموقف من التدخل الروسي: اصطفاف مع واشنطن
في ظل تصاعد النفوذ الروسي في عدة دول من الساحل الإفريقي، عبّرت موريتانيا بشكل واضح عن موقفها الرافض لأي تدخل يهدد استقرار المنطقة. وخلال القمة، أكد الرئيس الغزواني أن "موريتانيا تنأى بنفسها عن الاصطفافات العقائدية، لكنها تقف دائماً مع من يدعم السلام والاستقرار والتنمية". ويبدو جلياً أن موريتانيا اختارت التموضع بوضوح إلى جانب الشركاء الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، كخيار استراتيجي يصب في مصلحة البلاد، خصوصاً في ظل ما تعانيه الدول المجاورة من نزاعات وانقلابات وانهيار مؤسساتي.
تحالفات محسوبة... وتجنب الانزلاق نحو الفوضى
الرئيس الغزواني أكد أن موريتانيا "لا تسعى إلى الدخول في دوامة النزاعات التي تعصف بجيرانها، بل إلى بناء تحالفات ذكية تحفظ أمنها وتعزز اقتصادها وتثبت سيادتها". هذا النهج البراغماتي في السياسة الخارجية يعكس وعياً عميقاً بالتوازنات الإقليمية والدولية، ويمنح موريتانيا موقعاً محترماً بين القوى الدولية الباحثة عن شركاء عقلانيين ومستقرين في القارة الإفريقية.
موريتانيا تثبت أقدامها كشريك موثوق للغرب
خلال السنوات الأخيرة، كثفت موريتانيا تحركاتها الدبلوماسية لإثبات مكانتها كشريك استراتيجي موثوق لدى دول الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا. وقد أثمرت هذه التحركات اتفاقيات تعاون عسكري واقتصادي وتقني، فضلاً عن التزامات متبادلة لضمان الاستقرار والأمن في الساحل. القمة الأخيرة جاءت كتتويج لهذا المسار، وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن موريتانيا لم تعد على هامش التوازنات الإفريقية، بل في صلبها.
وختاما، في خضم عالم متغير، يتطلب عقلانية ووضوحاً في الرؤية، تبرز موريتانيا اليوم كنموذج لدولة كبيرة بحجمها، كبيرة بخياراتها الاستراتيجية، وقدرتها على أن تكون رقماً صعباً في المعادلة الإفريقية والدولية.