في خطوة تحمل دلالات اقتصادية ورمزية عميقة، وجّه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني دعوة صريحة إلى المسؤولين لقضاء عطلهم السنوية داخل الوطن.
ليست هذه الدعوة مجرّد توجيه إداري، بل هي رؤية وطنية تسعى لإعادة الاعتبار للسياحة الداخلية، وتكريس الانتماء الوطني في أبهى صوره. تأتي هذه المبادرة في وقت يحتاج فيه الاقتصاد المحلي إلى مزيد من الدفع، لا سيما في القطاعات الخدمية المرتبطة بالسياحة، كالنقل، والمطاعم، والفنادق، والحرف اليدوية. كما تعكس حرص القيادة العليا في البلاد على تقليص الفوارق بين النخب والمواطنين من خلال التشارك في الفضاءات الجغرافية والمعيشية.
إن قضاء المسؤول عطلته في آدرار أو الضفة أو نواذيبو، ليس فقط دعما مباشرا لسكان هذه المناطق، بل هو كذلك رسالة قوية بأن موريتانيا تستحق أن تُكتشف من جديد، من قبل أهلها أولاً.
تتوفر موريتانيا على كنوز سياحية طبيعية وثقافية لا تزال في كثير منها بكرًا، تنتظر من يسلّط الضوء عليها. من شواطئ نواذيبو الخلابة، إلى كثبان أطار الذهبية، إلى الواحات العتيقة في تكانت، مرورًا بثقافة الضفة الغنية وتقاليدها المتنوعة، تزخر البلاد بوجهات قادرة على جذب السيّاح المحليين والدوليين على حد سواء.
لكن هذه الكنوز بحاجة إلى إرادة سياسية تُعيد رسم خريطة السياحة الداخلية، وتمنحها الزخم المؤسساتي والإعلامي الذي تستحقه.
وهنا تكمن أهمية دعوة الرئيس، التي من شأنها أن تفتح الباب واسعًا أمام مبادرات رسمية ومدنية.
لمواكبة هذه الدعوة الرئاسية المباركة، يمكن تصور جملة من المبادرات الميدانية والإعلامية:
- إطلاق حملة وطنية تحت شعار: "عطلتي في وطني"، تُشرك وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمدوّنين المحليين في الترويج للمناطق الداخلية.
- إعداد دليل سياحي وطني موجه للمسؤولين والمواطنين، يُعرّف بأهم الوجهات السياحية والخدمات المتوفرة في كل ولاية.
- تنظيم مهرجانات موسمية تُبرز خصوصية كل منطقة وتستقطب الزوار من داخل الوطن وخارجه.
- تشجيع القطاع الخاص على تقديم عروض مغرية للمقيمين، تشمل تخفيضات في الفنادق والرحلات والنقل.
- تغطيات إعلامية مباشرة لعطل بعض المسؤولين في ولايات الداخل، لإضفاء طابع القدوة والرمزية على الدعوة.
إن دعوة فخامة الرئيس للمسؤولين بقضاء عطلهم داخل موريتانيا ليست مجرد رغبة في الحدّ من السفر إلى الخارج، بل هي رؤية استراتيجية تُعيد الاعتبار للعمق الوطني، وتضع المسؤول في تماس مباشر مع الجغرافيا الموريتانية وتحدياتها وفرصها.
عندما يتحول المسؤول إلى سائح في وطنه، فإنه لا ينعش فقط اقتصاد الداخل، بل يساهم أيضًا في تعزيز الوحدة الوطنية، وخلق شعور عام بالثقة والانتماء.
فلنحوّل هذه الدعوة إلى مناسبة وطنية لاكتشاف الجمال الموريتاني من الداخل، فالوطن لا ينتظر إلا أبناءه ليحتضنوه.