شهدتُ يوم أمس، 29 يونيو 2025، حوالي 10 إلى 12 انقطاعا مفاجئا وغير مبرر للتيار الكهربائي في شمال نواكشوط. وقد بدت هذه الانقطاعات كأنها لعبة مزعجة، وانتهت بانقطاع مستمر لأكثر من 7 ساعات خلال مساء يوم 30 يونيو.
رغم ما يشهده البلد من توفير إمكانيات لتحسين الولوج لهذه الخدمة الأساسية لحياة المواطن تبقى ظاهرة الانقطاعات على مدار العام ظاهرة تستوجب التدخل من الجميع لم هذه الانقطاع من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الانقطاعات خطيرة ومكلفة عل المواطن وعلى البلد كذال، ويطال تثيرها الجميع وفي كافة أنحاء البلاد.
فكيف يمكن تفسير هذا الخلل والعجز الفني في توفير الخدمة بشكل سلس، رغم ظل غياب الظروف الجوية الاستثنائية أو الأسباب الخارجية التي قد تبرر هذه الاضطرابات، مثل ارتفاع درجات الحرارة أو الرياح أو الأمطار أو ذروة الطلب؟
هذا الوضع الحرج يدفعنا إلى طرح تساؤلات جوهرية حول الأمن الوطني للتزويد بالطاقة الكهربائية، والذي أصبح موضع شك، رغم التصريحات الرسمية بوجود فائض في الإنتاج.
أعتقد أنه من الضروري إطلاع الرأي العام والسلطات على حيثيات هذه العجز الفني المستمر للشركة المسؤولة عن توفير خدمة الكهرباء والوفاء بالتزاماتها تجاه المشتركين، خصوصًا فيما يتعلق باستقرار الجهد والتردد بشكل دائم.
وفي هذا السياق، وانطلاقا من الخبرة المتواضعة في قطاع الكهرباء، أود أن أوضح بعض الأسباب المحتملة لهذه الانقطاعات. وهي مهمة ليست سهلة في ظل غياب بيانات دقيقة أو تقارير فنية توضح طبيعة الخلل، إن وجدت.
فيما يلي بعض الأسباب المحتملة دون الخوض في التفاصيل التقنية، ودون ادعاء الإحاطة الشاملة:
الأسباب المحتملة الرئيسية:
- مشكلات جديدة متعلقة بالربط الكهربائي عالي الجهد (90 - 225 ك. ف) مع السنغال (خط كوربيل)، ومنظمة استثمار نهر السنغال (OMVS)، وخط 225 ك.ف بين نواذيبو والعاصمة، مع إدخال أكثر من 60 ميغاواط من طاقة الرياح من محطة بولنوار (وهي مصدر متقطع يؤثر سلبًا على الاستقرار). وسينضاف إلى ذلك قريبا أكثر من 700 كلم من خطوط ربط 225 ك.ف باتجاه الزويرات، التي تعاني من مشكلات في الطاقة التفاعلية.
- اختلالات في استقرار الشبكة بسبب التصميم الحالي وهيكل نظام التوزيع على العاصمة.
- غياب المعرفة الدقيقة والتحكم في الطلب، خصوصا في التنبؤ بالأحمال قصيرة ومتوسطة الأجل، وخاصة ذروة الاستهلاك. حسب علمي، فإن شركة SOMELEC لا تمتلك الأدوات أو المنهجيات الضرورية للتنبؤ بهذه الأحمال، مما يؤدي إلى اختلال بين الإنتاج والطلب، وهذا قد يسبب فقدان التزامن وبالتالي توقف محطة كهربائية أو حتى انهيار عام في الشبكة (blackout)
- خلل في أنظمة الحماية والإعدادات الخاصة بها، ما قد يؤدي إلى فصل تلقائي للتيار عند حدوث حمل زائد أو مشاكل أخرى، بالإضافة إلى ضعف بعض المعدات وعدم ملاءمتها للتوسعات.
- غياب الصيانة الوقائية والدورية لأنظمة الكهرباء، حيث إن بعض المكونات ربما قد وصلت إلى نهاية عمرها التشغيلي.
- عدم الالتزام بالمعايير الفنية الدولية وقواعد إدارة وتشغيل أنظمة الكهرباء.
- نقص في الكوادر البشرية المؤهلة، خاصة من المهندسين والتقنيين المتخصصين.
دون معالجة هذه النقاط، لن يكون هناك أي أمل في تحسن مستدام.
وماذا عن المستقبل؟ الأسوأ لم يأتِ بعد
أؤكد أن المشاكل الحالية ليست سوى البداية، وستزداد تعقيدًا مستقبلاً إذا لم تتخذ إجراءات عملية عاجلة. فإذا كنا عاجزين اليوم عن تسيير نظام يستهلك أقل من 300 ميغاواط، فكيف سنواجه الطلب عندما يصل إلى آلاف الميغاواط كما هو الحال في بعض الدول المجاورة؟
وماذا لو استمرينا في إدخال مصادر متجددة ذات طبيعة متقطعة في الإنتاج مثل محطات الطاقة الشمسية، التي تتأثر بالعوامل المناخية وقد تنهار قدرتها فجأة بأكثر من 20 ميغاواط على سبيل المثال؟ هل لدينا أنظمة تعويض أو تخزين لمواجهة هذه الاضطرابات الخارجية والداخلية؟
دون مبالغة أو تشاؤم، يمكن القول إن التحديات الفنية ستزداد تعقيدًا مع النمو السكاني، وتغير نمط الحياة، والارتفاع المتسارع للطلب، بالإضافة إلى الربط الكهربائي الدولي الحاضر وفي المستقبل (مع مالي، المغرب، الجزائر...).
ما هي الحلول الممكنة؟
طبيعة التحديات لهذا القطاع الحساس تستدعي منا البحث عن حلول جذرية عاجلة لتأمين الكهرباء في أحسن الظروف وذلك في المتناول إذا توفرت الإرادة والعزيمة والإخلاص لدى الجميع من عمال وأصحاب القرار.
في هذا الإطار هناك إجراءات فنية وإدارية يجب اتخاذها، لضمان تزويد مستقر وآمن بالكهرباء على مستو العاصمة.
من بين هذه الإجراءات:
- إعداد خطة لإعادة هيكلة شبكة التوزيع متوسط الجهد في العاصمة، تشمل نظامًا جديدًا لتوزيع الأحمال، على أن تؤخذ هذه الخطة بعين الاعتبار ضمن مشروع تحديث مدينة نواكشوط.
- إنشاء مركز جديد للتحكم في الشبكة عالية التوتر (أمر عاجل)، لضبط تدفق الطاقة (Load Flow).
- فرض أقصى درجات الصرامة في الإدارة الفنية، مع تطبيق إجراءات صارمة تمنع أي أخطاء سواء من الطاقم الفني أو الإداري.
- تأمين عدد كافٍ من المهندسين والتقنيين المؤهلين والمدربين لمواكبة تطور الأنظمة الكهربائية.
- التوجه نحو السيادة الطاقوية عبر خطة طوارئ لتحقيق اكتفاء ذاتي على المدى المتوسط، في إنتاج الكهرباء بشكل مستقل عن منظومة OMVS، خاصة مع وجود الحقل الغازي الجديد.