على مدار الساعة

ما حظ فلسطين من حروبنا المتفرقة؟

28 يونيو, 2025 - 18:04
بقلم: عز الدين مصطفى جلولي - كاتب وأستاذ جامعي جزائري - djellouli73@hotmail.com

لا إرادة لأحد على وجه البسيطة غير إرادة الله صاحب الأرض يورثها من يشاء من عباده الصالحين. أما مخططات المستعمرين فليس بإمكانهم تحقيق شيء منها إلا أن يشاء الله؛ لذلك فقراءة الحوادث بعد طوفان الأقصى وكأنها تمضي نحو غاية منشودة، رغم بعض العراقيل دونها، قد تعتبر برمجة عصبية لأهالي المنطقة كيما يتقبلوا الواقع من دون أمل في مقاومته. إنه من تحت ركام الهزائم والرماد تولد الثورات تلو الثورات، ولن تتوقف الحروب حتى تسترد الحقوق كاملة غير منقوصة، وما دام في الأمة عرق ينبض بالإيمان فإن طريق القدس ستعبره الملايين من الشهداء، علينا أن نثق بالله ونتوكل عليه فحسب.

 

حرب الأيام الستة المضاعفة

ما حدث جولة في حرب لا تزال مستمرة ما دام هنالك احتلال وغطرسة عالمية تريد احتلال المنطقة والسيطرة عليها. إنه لا نصر إلا إذا زال كل ذلك الخطر، لولا أن كل دولة في المنطقة تنافح عن حياضها ولا عبرة بشعارات ترفعها تناصر فلسطين. النواة الصلبة لهذه الحرب المستمرة في المشرق الإسلامي هي المقاومة الفلسطينية صلاحية الروح والمنهج، وهي تبلي بلاء حسنا في هذه الجولة، ومن يدري لعلها تكون آخر جولة في هذه الحرب.

 

ما حظ فلسطين من حرب إيران خلال اثني عشر يوما؟ وكيف بالجمهورية الإسلامية لو أنها دخلت الحرب جنبا إلى جنب مع حلفائها في المحور منذ السابع من أكتوبر؟ وما مصير الحرب في غزة بعد أن عاد التركيز عليها؟ لك الله يا غزة، اسأل الله أن يمددها بما لا قبل للصهاينة به!

من المنطق أن يتلافى نظام سياسي المواجهة إذا كنت غير متكافئة، ولا سيما إذا كان هذا النظام مطلوب رأسه حيا أو ميتا. مشكلة إيران أنها تستخدم شعارات فضفاضة كالدفاع عن فلسطين وتصدير الثورة والسيطرة على العالم العربي ولم لا العالم بأسره، كما يرمز إليه لفظ الجلالة المخطوط مكورا على الراية الإيرانية. وبين هذا الطموح العالي والأثرة التي يتحرك بها ساسة هذا البلد خاصة في مصالح الأمة العليا تتعرض إيران إلى خضات تدوخ، وقد تسقط النظام كله في إحداها ما لم يتدارك الأمر ويعلنها إسلامية لا شيعية، ووحدوية لا فارسية.

 

دوافع العراق في عهد البعث البائد للعناد والمصابرة تختلف عن إيران، الدولة العراقية كانت مؤدلجة بالوطنية الخاوية من الأبعاد الروحية، وإيران تتحرك بهذا الدافع، ولننظر إلى تعابير المرشد خامنئي عندما أعلن بدء المعركة؛ لذلك فإيران، الثورة الإسلامية، لديها من الأسرار العسكرية والإرادة لولوج النادي النووي إذا ما تغيرت الظروف الدولية، ما لا يستطيع الغرب أن يدركه أو يناله بما معه من أدوات أثبتت أنها لم تجد نفعا كثيرا كما في أم القنابل. يبقى على إيران أن تتحرر من شرنقتها المذهبية وتمد يد الوصل لكل الأمة بصدق وعمل، حينها فقط يمكننا الحديث عن بدايات النصر المأمول.

 

صراعاتنا البينية

مبادرة حل المعضلة السودانية تحتاج إلى سند مرجعي في حال الاختلاف عليها أو على تفاصيلها، كبرنامج الحكومة الانتقالية، وضمانات ما بعد كل خطوة خاصة تسليم السلاح، وماهية الفكرة القائدة التي سيلتئم حولها السودانيون غير الولاء للبلد والشعارات الوطنية.

 

ولعله من الأجدى أن تترأس هذه المبادرة ثلة خيّرة من علماء الإسلام تكون من شخصيات سودانية جامعة، كيما تمضي بالحراك إلى مقاصده المرجوة، شريطة أن يكون الله وحده من وراء القصد.

 

البرهان يمثل السلطة القائمة في السودان وحميتي يمثل الخارج عليها. إنه لا الجيش يمثل الشرعية والمشروعية ولا الدعم يحمل مشروعا أفضل للسودان والأمة، وبين ذا وذاك ضاعت الدولة الحديثة في أكثر من مكان. وفي هذا المضمار نستذكر السياسة التركية لما لها من فاعلية وعنفوان رغم كونها تتسم بالانتهازية أحيانا وبالحكمة حينا. فهل كان من الحكمة السياسية عدم التدخل في قضية فلسطين؟ وماذا نسمي التدخل التركي الأخير في سورية بعد أن لاح في الأفق انهيار النظام البعثي؟ نحسب - والله أعلم بالنوايا - أنه عندما تميل كفة أحد المتقاتلين في السودان ستظهر المواقف التركية جلية لا لبس فيها.

 

استهداف أناس يؤدون صلوات في معابدهم في سورية ذنب لا يغتفر، وليت من أقحم "الجهاد والإسلام" لم يفعل وهو يشي بجهة معينة غير متحفظ عليهما. التحذير من الفتنة أولى من العتب على من لا يستوعب إلا ظاهر الأحداث الجسام. على السلطة الجديدة في الشام حماية الأماكن العامة ودور العبادة وأن لا تتوانى في ذلك، فالمستهدف واحد في هذه المرحلة وإن تلونت مذاهبه.

 

ليس في الإمكان أن تجد أي ثورة منتصرة الطريق مفروشا بالسجاد الأحمر لتحسن القول والفعل. أهم ما في السلطة أن تكون حسنة النوايا شفيقة بشعبها، وإدارة مراحل الإصلاح وماهيته موكولة لأمناء عالمين من الشعب، فليس كل الشعب كفيا بممارسة السلطة أو يدرك عالم السياسة. لسورية فرصة تاريخية كي تؤوب إلى هويتها وتاريخها، والمشاريع التي تنادي بغير ذلك مشغلة وتهدر الوقت والجهد، ومدعاة للقلاقل وتدخل الأجنبي، حمى الله سورية!

 

يحتاج كل من المنطق العدمي والتسويغي إلى رؤية مشتركة للدولة، وإلى خطوط عامة يرجع إليها الفاعلون في الحياة السورية. ولا يسهل أن تجد ذلك في بلد كهذا تتعدد فيه المشارب والمذاهب؛ لذلك ستنحصر مساحة المشترك إلى حدود مبادئ أساسية تقرها الديموقراطيات الحديثة، لمن يريد هذا النظام رغم بؤس مخرجاته في العالم الإسلامي، مبادئ مثل إلزامية منطق الأغلبية والأقلية لفك الخصومات، والاستفتاء على قضايا كبرى مثل طبيعة النظام الذي ستسير عليه البلاد، والدستور الذي ستصدره مؤسسة تشريعية منتخبة، والخطوط الحمر في العلاقات الدولية كقضية التطبيع.

 

تجري في الجزائر هذه الأيام محاكمات عبثية تسيء للسلطة أيما إساءة، كونها تطول بالتنكيل خيرة من أبناء الشعب تحرص على مصلحته وتنصح للحاكم؛ إن محاكمة المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث محاكمة سياسية مركبة النوايا والأغراض، الخاسر فيها العلم والعلماء، وإن كانا المنتصرين في نهاية المطاف. الأحسن بهذا المؤرخ المحترم أن يخوض تجربة السجن برباطة جأش، ولا يبحث دفاعه عن مبررات تبرئه أمام قضاء يفتقد الاستقلالية والنزاهة.

 

وإن كل ما جاء في بيان إطارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية الذي بسببه أدين الموقعون عليه حق لا مراء فيه، ولكن مع سلطة شمولية كهذه كان على محرر البيان أن يتلطف في القول يسيرا، ويقدم البعد الدعوي على المغالبة السياسية، لأنها استفزت الدبابير في أعشاشها. وعلى كل حال فطريق الإصلاح ليس مفروشا في أوله بالزهور.

 

من اللافت حقا أن يتم التنكيل بالديمقراطية هكذا في عهدة "ترامب" الثانية بفلسفة همجية تعود بالعالم "المتحضر" إلى بداوته الأولى، إنها إفلاس البداءة والختام في قمة العالم الحر يقدم إلينا على طبق من ذهب نحن المهوسين بتتبع سنن الغرب شبرا بشبر وذراعا بذراع. ترى ماذا سيقول دعاة الحريات وحقوق الإنسان عندنا الآن وإلى أي مصير هم ماضون؟ العقل البشري بحاجة إلى تنوير حقيقي لا يخفي وراءه ظلا مظلما، يصلح لحياة عادلة مستقرة لا تتأثر بعوامل الزمان والمكان. إنها رحلة شيقة في عالم الفكر تستحق من النخب "التنويرية" عندنا أن تخوضها.