من الواضح أن العرب في قلب ما يحدث بحكم موقعهم وموقع إيران وكذلك الكيان الذي غُرس في أرضهم عام 1948 بناء على وعد بلفور، لذلك هم الآن في قلب العاصفة، وهم أشبه بمن يتراشق المجانين فوقه بالحجارة فلا يأمن أن تطيش منها شظية (شبرة) فتكسر له سنا أو تصيبه في مقتل.
ولعلكم ترون حالة دول الخليج وما ينتابها من مخاوف بشأن الإشعاع النووي والخسائر الاقتصادية، وهي مخاوف تتجاوز الساسة الصامتين قهرا وخوفا من "الماما أمريكا" إلى شعوبها، إذ يمكن أن يجدوا أنفسهم في أي وقت دون ماء صالح للشرب نتيجة غطرسة و(ابياظ اكلَ) مدلل اللوبي الصهيوني النتن ياهو، بل وفي مواجهة مخاطر أخرى كثيرة منها تسرب نووي بما يعنيه ذلك من كوارث.
موقع العرب الآن في هذه المواجهة، موقع المستباح / المغتصب ويدعو للشفقة ليس فقط لأنهم لم يستخدموا - في حالة اتحاد - ما في أيديهم من أوراق ضغط لوقف حرب ستطالهم حتما أو يتضرروا من تبعاتها، بل لأن طائرات الكيان تستبيح كل الأجواء العربية في طريقها لإيران؛ فتعبر أجواء الأردن وسوريا ذهابا لتتخذ من العراق منطلقا لعدوانها حين لا تأمن الاصطياد في الأجواء الإيرانية، ثم تسلك نفس المسار في طريق العودة بكل أمان.
لعل من المخزي أن بعض العرب درع أمان وخط دفاع متقدم للكيان للحد من آثار المقذوفات الإيرانية، يتعقبون ما يتهدد الكيان، وهم فدائيون في سبيل ذلك، فهذا مثلا عبد الله المصنف ملِكا والمكلل بالأوسمة والميداليات والنياشين يستيقظ بهمة عالية كلما أعلن عن دفعة صواريخ ومسيرات في طريقها من إيران نحو الكيان، مستحضرا سيادة "رقعته" ومشمرا عن ساعد الجد، وكذلك فعل ويفعل السيسي في مصر - ما استطاع إليه سبيلا - مع الصواريخ القادمة من اليمن نحو الأراضي المحتلة.
ورغم معرفة العرب بحقيقة الكيان ونيات حكامه المتطرفين (مشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات) يستمر حكام العرب في حماية الكيان والاستكانة لهذا الواقع في تكريس مستمر لدور الضحية المغلوب على أمره المسلوب من كل حقوقه المستباح الدم والكرامة والمقدرات والسيادة برا وبحرا وجوا، لا يأخذون عبرة ولا يستلهمون تجربة ولا يراجعون مواقف، لقد حولوا شعوبهم وأمتهم إلى بهائم تأكل وتشرب وتسرح ولكن يتحكم الراعي في توجيهها ومصائرها أو هكذا يقول الواقع.
موقف العرب
أما موقف العرب فالأمر صعب في ظل ما تحدثنا عنه، فمن هذا واقعه وموقعه في المعادلة المرتبطة بما يجري الآن هل يمكن أن يكون له موقف؟! أعتقد لا،
وإذا كان من موقف عربي حقيقي وصادق وصارم وموحد فهو موقف الشعوب أو أغلبها، وهو موقف بطبيعة الحال داعم لإيران مساند لها متضامن معها يفرح لانتصارها ويغص ألما لانكسارها ويتابع تفاصيل ومستجدات الحرب لحظة بلحظة، ولكن لا حيلة له اتجاه إيران تماما كما هو حاله مع غزة ولبنان وسوريا واليمن من قبل، يرى ما يحدث فقط، فقد أخرجه حكامه من المعادلة وحولوه قطيعا يتفرج ينتظر أن يؤكل حين ينتهي العدو من الثور الأبيض والأحمر والأزرق.
يجدر بدول المشرق العربي حتى لا أقول الشرق الأوسط (لأنها ذات دلالة استعمارية) رص الصفوف الآن، والتفكير في العواقب والنظر بعين استراتجية متبصرة للواقع، وإبداء ردة فعل حقيقة تأخذ في الحسبان تمييز الصديق من العدو، وهو ما سيمكنهم من إعادة توجيه البوصلة، واستثمار قوتهم وجهدهم وموقعهم لصالحهم، وما يخدم قضاياهم، بما في ذلك التقاط إشارات باكستان وتركيا الأخيرة.