طالعت بالأمس في بعض وسائل الإعلام تصريحا منسوبا للمدير العام للمدرسة الوطنية للإدراة د. محمد يحي السعيد مفاده أن "للإدراي تقديرا محكوما بالقانون"؛ وقد أوحى إلي التصريح ومتابعة عدد من القرارات الإدراية أن أتناول هذا الموضوع؛ وقد اخترت أن يكون عنوان المعالجة: التقدير الإدراي بين مقتضيات القانون ومراعاة المصلحة؛ وذلك من أجل بيان مفهومه وحدوده ومضعفاته ومبطلاته.
أولا: التقدير الإداري... المفهوم والحدود:
مفهوم التقدير الإدراي: يعرف التقدير الإدراي بأنه :"السلطة المنوحة قانونيا وتواضعا للإدراة من أجل اتخاذ القرار الأنسب في ضوء الصلاحيات القانونية" ؛ أو هو:" عملية الموازنة الدقيقة بين الخيارات الممكنة والمتسمة بالمشروعية من أجل اختيار الأمثل منها والأكثر تحقيقا لمصلحة المؤسسة؛ والأكثر مناسبة لمجالها"؛ من هنا يتضح أن التقدير الإدراي ليس سلطة ممنوحة للإدارة تمارسه كيف شاءت؛ وإنما هدفه الأساسي إتاحة مساحة من "الاختيار المقيد" للجهة الإدارية من أجل أن تتخذ القرار الأكثر نجاعة وتحقيقا للمصلحة العامة؛
حدود التقدير الإدراي: للتقدير الإداري حدود لا يجوز أن يتجاوزها؛ وأهم هذه الحدود أنه محكوم بالقانون؛ فلا بد من مراعاة "مبدأ المشروعية" في استعمال التقدير الإداري والتصرف على أساسه؛ ومن هنا ينبغي للإداري؛ وهو يستخدم "سلطته التقديرية" أن يضع أمام ناظريه " صلاحياته القانونية"؛ ويلتزم بها؛ لأن عدم التزامه بها يجعل "سطلته التقديرية" مخالفة للقانون وفاقدة للمشروعية؛ مما يعرض القرار للنقض ويعرضه هو للوقوع تحت طائلة مخالفة القانون.
ثانيا: التقدير الإداري ... مضعفاته ومبطلاته:
مضعفات التقدير الإداري: هناك أمور تضعف "استعمال التقدير الإداري" وتجعل استخدام" السلطة التقديرية" منتقدا ومستهجنا، ومن أبرزها:
التعسف؛ حين يتسم استعمال "التقدير الإداري"بالتسعف" يجعله ذلك ضعيفا ومهزوزا؛ مما يفتح الباب واسعا أمام استهجانه وانتقاده؛ ومن أمثلة التعسف في استعمال التقدير الإدراي " العزل من الوظائف" بسبب "التعبير المشروع عن الرأي" بأي نوع من أنواعه؛
الزبونية: ومما يضعف الحق في استعمل "التقدير الإداري" اتخاذه على أساس الزبونية وتغليب "مبدأ الولاء الشخصي".
الانتقام؛ ومما يجعل استعمال حق "التقدير الإدراي" ضيعفا ومدانا ومستهجنا استخدامه من أجل الانتقام؛ والانتقام فقط؛ وليس من أجل تحقيق مصلحة إدارية راجحة.
مبطلات التقدير الإدراي: للتقدير الإدراي والحق في استخدام السلطة التقديرية مبطلات تجعله فاقدا للمشروعية القانونية ومعرضا للنقض إداريا وقضائيا ومن أبرزها:
مخالفته للقانون؛ حين يخالف المسؤول القانون في استخدام "سلطته التقديرية" ويتجاوز "صلاحياته المنصوصة" يكون "تقديره الإدراي" باطلا أصلا وأثرا واجب النقض إداريا(سلطة أعلى) وقضائيا( من خلال الطعن فيه أمام الغرفة الإدارية)؛
هدره لموارد المؤسسة؛ حين يؤدي "التقدير الإداري" لهدر موارد المؤسسة البشرية والمادية يكون باطلا؛ لأنه حينذ يصبح "فسادا إدرايا" و" سوء تسيير" يجرمه قانون محاربة الفساد؛ وتعاقب عليه قواعد محاربة التسيب الإداري؛
زعزعة الثقة في الجهاز الإداري؛ حين يؤدي استخدام "السلطة التقديرية"من قبل المسؤول إلى "زعزعة الثقة في الجهاز الإداري" بسبب سوء الاختيار؛ وغياب التعليل المنطقي؛ ورداءة المخرجات يعود عليه ذلك بالإبطال؛ لأن من شأن "زعزعة الثقة في الجهاز الإداري" أن تؤدي إلى مفاسد كبيرة قد تؤدي إذا تفاقمت إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية وأمنية وإدارية واقتصادية...
وخلاصة القول إن "التقدير الإداري"سلطة مقيدة " باحترام القانوان؛ وعدم تجاوز الصلاحيات؛ ومراعاة المصلحة العامة للمؤسسة والبلد؛ وليس مجنا يحتمي به المسؤول الإداري من الانتقادات المشروعة؛ ولا جسرا يعبر من خلاله لاتخاذ قرارته التعسفية والانتقامية التي تقدم الولاء على الكفاءة؛ وتتجاهل الاستحقاق العرفي والمنطقي؛ ولا مشجبا تعلق عليه الإخفاقات؛ بل هو" اختيار في حدود القانون"؛ وانتقاء من أجل المصلحة العامة" وسعي إلى "صون الموارد العامة"؛ و"مساحة عفو للموازنة المدروسة" من أجل تحقيق إنجازات كبرى بتكاليف زمنية ومادية أقل.