في 9 يونيو، عُقد اجتماع آلية المشاورات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة في لندن، وهو خطوة مهمة أخرى نحو تنفيذ التوافق الذي توصل إليه رئيسا البلدين، وتعزيز استقرار العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين.
لقد دأبت الصين على دفع الحوار بأقصى درجات الإخلاص، وتسعى إلى حل الخلافات من خلال المشاورات المتكافئة، مع تمسكها الحازم بالحفاظ على مصالحها الجوهرية وحقوقها في التنمية.
ينبغي للولايات المتحدة أن تفي بالتزاماتها بجدية، وتسير في نفس الاتجاه مع الصين، وتتجنب تسييس القضايا الاقتصادية والتجارية، وتسهم بشكل مشترك في استقرار سلاسل الصناعة والإمداد العالمية.
في السنوات الأخيرة، واصلت الصين تعزيز الانفتاح رفيع المستوى على العالم الخارجي، وتحسين بيئة الأعمال، وتوفير فرص سوق واسعة لرؤوس الأموال الأجنبية، بما في ذلك الشركات الأمريكية.
ظل حجم الاستثمار الأجنبي المستخدم فعلياً في الصين مستقراً، وارتفعت نسبة الاستثمار في الصناعات عالية التقنية بشكل مستمر، مما يعكس ثقة رأس المال العالمي في الاقتصاد الصيني.
في مجالات مثل الطاقة الجديدة والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي، تلتزم الصين دائماً بمبادئ السوق، وتعزى قدرتها التنافسية الصناعية إلى الابتكار التكنولوجي وتأثيرات الحجم، وليس لما يسمى بـ"المنافسة غير العادلة".
في الواقع، لا تسعى الصين بشكل متعمد إلى تحقيق فائض تجاري.
ووفقاً للإحصاءات، انخفض فائض الحساب الجاري للصين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 9.9% في عام 2007 إلى 2.2% في عام 2024، مما يعكس التحسين المستمر في هيكل التجارة الخارجية الصينية.
كما انخفضت نسبة العجز التجاري الأمريكي في السلع مع الصين من إجمالي عجزه التجاري السلعي من 47.5% في عام 2018 إلى 24.6% في عام 2024.
وعلى الرغم من أن إمكانات الصادرات الأمريكية إلى الصين لم تتحقق بالكامل، وهو ما يرتبط إلى حد كبير بسياسات الولايات المتحدة نفسها، فإن الصين تواصل التوسع في الانفتاح، وتزيد من وارداتها بنشاط، مما يوفر المزيد من الفرص للدول حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وفي نفس اليوم الذي عُقد فيه أول اجتماع لمشاورات التجارة بين الصين والولايات المتحدة في لندن، أظهرت التجارة الخارجية الصينية مرة أخرى مرونة قوية وقدرة عالية على التكيف.
ووفقاً للهيئة العامة للجمارك، بلغ إجمالي قيمة تجارة السلع في الصين خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام 17.94 تريليون يوان، بزيادة قدرها 2.5% على أساس سنوي، وهي زيادة أسرع بـ0.1 نقطة مئوية مقارنة بالأشهر الأربعة الأولى.
وكانت نسبة نمو الصادرات 7.2%.
وهذا يدل على أن التجارة الخارجية الصينية مستقرة بشكل عام، وأن تأثير الضغط التجاري الأمريكي محدود، كما يبرهن على نجاح استراتيجية تنويع التجارة الخارجية الصينية، إذ يلعب "أصدقاء الصين الدوليون" دوراً فعالاً في مواجهة الحصار الأمريكي.
في المواجهة الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، لا تكمن ثقة الصين في تنويع التجارة الخارجية فحسب، بل أيضاً في الأسس التالية:
1. سوق استهلاكية ضخمة: من المتوقع أن يبلغ إجمالي مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية في الصين لعام 2024 نحو 50 تريليون يوان (ما يقرب من 7 تريليونات دولار أمريكي)، لتكون أكبر سوق استهلاكية في العالم للعام الثالث على التوالي.
2. سلسلة صناعية متكاملة: الصين تمتلك كافة الفئات الصناعية الـ41 المصنفة في نظام الأمم المتحدة الصناعي، وتحتل موقعاً ريادياً عالمياً في مجالات مثل الطاقة الشمسية، والبطاريات الليثيوم، والأجهزة المنزلية.
3. جدار مالي وقائي قوي: يشمل نظام الدفع عبر الحدود بالرنمينبي (CIPS) أكثر من 180 دولة، وتبقى احتياطيات النقد الأجنبي مستقرة عند أكثر من 3.1 تريليون دولار أمريكي.
4. الاستقلال التكنولوجي: تتسارع وتيرة تصنيع أشباه الموصلات محلياً، وتقود الصين التقدم في مجال الطاقة الجديدة، وتمتلك صوتاً مؤثراً في وضع معايير الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس.
وبالتالي، فإن الصين تدخل المفاوضات بإخلاص كامل وثقة تامة.
رغم أن رؤساء الصين والولايات المتحدة شددوا مراراً على "تعزيز التواصل وتجنب سوء التقدير"، فإن الجانب الأمريكي كثيراً ما نكث بوعوده.
فهو من جهة يدعي "عدم السعي لكبح الصين"، ومن جهة أخرى يسرّع وتيرة الحصار التكنولوجي ضدها؛
ومن جهة يدعو إلى "استقرار العلاقات"، ومن جهة أخرى يستفز المصالح الجوهرية للصين في بحر الصين الجنوبي وتايوان.
هذه التناقضات تقوض الثقة المتبادلة بشكل خطير، وتقلل من فعالية نتائج المشاورات.
إذا كانت الولايات المتحدة صادقة فعلاً في رغبتها في استقرار العلاقات الاقتصادية والتجارية، فعليها أن تتخلى عن عقلية الهيمنة، وتستجيب لمخاوف الصين بخطوات عملية، مثل:
- إلغاء العقوبات غير المعقولة بدءً بإلغاء عقوبة واحدة أو رفع فئة معينة من الرسوم الجمركية أو القبول بحكم دولي واحد؛
- التوقف عن القمع غير العادل للشركات الصينية، بما في ذلك رفع القيود المفروضة على شركات مثل Huawei وTikTok؛
- تخفيف القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا الفائقة، والوفاء فعلاً بمبدأ المنافسة العادلة، وعدم استخدام "الأمن القومي" كذريعة لممارسة الحمائية؛
- الاعتراف بأن فرض المزيد من الرسوم على الواردات الصينية يتعارض مع منطق السوق ويزيد من العبء على الأسر الأمريكية؛
- وقف الولاية القضائية خارج الحدود، مثل منع الدول الثالثة من التعاون مع الصين.
العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة تمس رفاهية شعبي البلدين واستقرار الاقتصاد العالمي.
وتؤمن الصين دوماً بأن التعاون المربح للجانبين هو الخيار الصحيح الوحيد.
إن مشاورات لندن تمثل فرصة جديدة لتضييق فجوة الخلاف، ولكن تحقيق تقدم جوهري يعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد حقيقي للتعامل بندّية، والوفاء بالتزاماتها.