المقدمة:
ينسجم عرض الملفات القضائية على العامة مع مبدأ علنية المرافعات المكرس في القانون الموريتاني ونظرا لما أصبحت وسائل التواصل تيسره من سهولة نشر ولما لها من تأثير فمن الوارد استغلالها للحد من الظلم وتحسين الأداء القضائي خاصة وأن القانون لا يحظر إذاعة مجريات النزاعات ما لم ترتبط بقضية مشمولة بسرية التحقيق.. لذلك واعتبارا لأن بعض القضاة لا يأخذ الملفات المعروضة عليه مأخذ الجد ويعرض عن دراستها كما يتجسد في عدم الرد على حجج الأطراف ولأن التكتم يسهل الخضوع للنفوذ الناجم عن غياب استنكار الظلم بفعل عزوف الناس عن حضور جلسات المحاكم.. لذلك وسعيا للمساهمة في الإصلاح والتغلب على الانطباع السائد عن وجود خلل في تعاطي المحاكم بكل درجاتها مع بعض القضايا المرفوعة أمامها.. واعتبارا لعدم جدوائية الاكتفاء بالانتقادات الشفهية وأهمية وضع اليد على مكامن الداء.
لهـذه الأسباب
قررت أن أكشف التعامل مع ملفات قضائية أعتقد أن أخذ انحراف التعامل القضائي معها بعين الاعتبار يسهم في إقامة العدل الذي يجب على القائمين على الشأن التعجيل بتعديل إعداداته وإعادة تثبيت نظامه قبل أن تتعطل المنظومة. ذلك أن استحضار الرقابة العامة والخاصة يرفد القاضي للنطق بالعدل ويدفع المتقاضين لتهيب الظلم الذي لا ينبغي لجمهور القضاة أن يقر فشوه ولا للشخص السوي أن يسكت على المجاهرة به.. وبعد أن تناولت واقع القضاء الموريتاني من خلال كتابي "مباحث في سبيل العدل" الذي نشر سنة 2010 ومن خلال مقالات لاحقة وتدوينات، تفاوت القراء في تقويمها واعتبر بعض القضاة أنها لا تخلو من تحامل، لذلك سأتناول قضايا معيشة تعكس الواقع كما هو وتعلل تصوري شخصيا عن أداء المرفق علها تصب في الإصلاح وتسهم في إنصاف المظلومين.. وتتمثل التجربة في تناول التعامل القضائي مع بعض القضايا عبر مقالات، يتاح لمن يهمه الأمر أن يرد عليها وللمهنيين نقاشها، مما ينير الرأي العام ويؤدي لتوازن يسهم في إقامة العدل الذي لا غنى عنه للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ويصب في إصلاح مرفق يجمع المطلعون على أنه يمر بمرحلة اضطراب. وستقتصر المعالجات على القضايا التي بتت فيها المحاكم على مستوى النقض.
وأتجنب في هذا المقال تناول التقويم العام لعمل القضاء الموريتاني ومستوى أدائه واكتفي بتناول وقائع قضائية يتيسر التحقق من صحتها.. وقائع تعكس طريقة التعاطي مع القضايا التي تحسم المحاكم بعضها استعجاليا دون دراسة مسبقة ودون تفحص محتويات الملف وما قد يتخلل المداولات من إهمال حجج أحد الطرفين مع أن القانون يوجب استعراضها والرد عليها فحتى لو كانت حجة أحد الخصمين ضعيفة أو تبدو للقاضي واهية فمن واجبه أن يستعرضها ويرد عليها إقامة للحجة.
وأبين في المقال مستوى التجاوزات التي تطبع عمل بعض المنفذين الذين يتملصون من الرقابة القضائية المقررة بأساليب كيدية ولا يجدون من يسائلهم عن ذلك ففي النازلة طلب أحد البنوك من المحكمة التجارية بنواكشوط إنابة المحكمة التجارية بنواذيبو في إجراءات تنفيذ وبعد أن أحيل ملف القضية إلى المحكمة المنابة طلب منها نفس طالب الإنابة التخلي عن القضية فأصدرت أمرا بذلك أتبعه المنفذ بإيداع كراس شروط لدى كتابة ضبط نفس المحكمة بعد أن تخلت عن القضية وانقضى على ذلك أحد عشر يوما.. وعلى الرغم من إيداع أسباب بطلان إجراءات التنفيذ لدى محكمة الرقابة وتقييد التمسك بها في كراس الشروط خلال الأجل واصل المنفذ التنفيذ منتهزا غياب محكمة تضطلع برقابة إجراءاته.. وبعد تبليغه قرارا من محكمة الاستئناف التجارية في نواذيبو بإلغاء أمر التخلي وإعادة القضية للمحكمة التجارية في نواذيبو واصل المنفذ جلسته التي انتهك خلالها جل الإجراءات المقررة تحت طائلة البطلان وقرر بيع مئات العقارات دون تبليغ مسبق بجلسة البيع ودون انتظار انقضاء الآجال المقررة قانونا قبل أن يصبح البيع نهائيا.
وبدلا من أن تلعب المحكمة العليا دورها في فرض احترام القانون على باقي المحاكم، نجد أنها تتخذ بعض قراراتها قبل مطالعة الملف لدرجة، تحمل على الاعتقاد، أنها قد تنقض قرارا دون أن تقرأه كما وقع في القضية موضوع الهفوة، حيث استند قرار الغرفة التجارية بالمحكمة العليا على أساس أن قرارا صادرا عن محكمة الاستئناف التجارية في نواذيبو، حدد تاريخ البيع للمنفذ والحقيقة هي أن القرار المستند عليه صدر في نفس يوم جلسة البيع التي عقدها المنفذ وأنه، بخلاف ما اعتقدته المحكمة، قضى بإعادة القضية إلى المحكمة التجارية بنواذيبو باعتبارها مختصة والتي اطلعت بدورها الرقابي وقضت بالإبطال وأمرت المنفذ بإعادة الإجراءات، البين عوارها. حينها قام المنفذ لصالحه باستصدار قرار من الغرفة التجارية بالمحكمة العليا بنقض القرار الذي أمر المنفذ بتصحيح إجراءاته.. ويتبين من مطالعة الهفوة الأولى أن محكمة النقض لم تطالع مذكرة الطعن الجوابية التي استهلت بدفع بانعدام الصفة في تقديم الطعن التي تعود للمنفذ لا للمنفذ لصالحه وبينت أن القرار الذي استند عليه البنك الطاعن وجارته المحكمة العليا في ذلك، يقضي بخلاف منطوق القرار مما أوقعها في الهفوة التي وقعت فيها.
وتبيانا لما ذكر أعلاه أتناول في الحلقة الأولى، من هذه السلسلة، قضية واقعية مرت بمختلف درجات الحاكم تتمثل في مظلمة موكلي إبراهيم ولد الحاج المختار.
الهفوة الأولى
قضية إبراهيم وبنك الأمانة BEA
إبراهيم ولد الحاج المختار رجل أعمال موريتاني يقيم في نواذيبو ويعمل في قطاع الصيد البحري، كانت له شركات مع مساهمين صينيين قبل أن ينسحب شركاؤه الأجانب بطريقة مفاجئة، مما أدى لتوقف نشاط الشركات.. وإبان عمل الشركات كان إبراهيم قد أودع سندات أكثر من مائتي (200) عقار لدى بنك الأمانة BEA لتيسير حصول الشركات على تسهيلات مالية ورهن بعض عقاراته المذكورة للبنك رهنا رسميا بينما أودع السندات الأخرى لدى المصرف.. وفي سنة 2018 طلب المصرف منه أن يوقع له "ابروتوكولات اتفاق" Protocoles d’Accord باسم الشركات بحجة أن البنك سيقدمها تبريرا للبنك المركزي. لم يكن إبراهيم مطلعا على الحسابات المصرفية للشركات لأن الشريك الصيني كان يتولى التسيير إلى أن غادر على حين غرة ودون سابق تنسيق مع شريكه الموريتاني، وقع إبراهيم للبنك "ابروتوكولات الاتفاق" المطلوبة، وكان قد أمضى مثلها من قبل، ولم تكن تتوفر لديه معطيات لتدقيق الأرقام المقيدة فيها. وبناء على التواقيع المذكورة أصدرت المحكمة التجارية بنواكشوط أوامر بالتنفيذ الجبري على الشركات تم تأكيدها من طرف كافة درجات المحاكم التي اعتبرت البروتوكولات أصلاحا وبنت عليها في رفع الدعاوى التي قدم إبراهيم في الأصل (1) واتبع المنفذ مسطرة حجز ملتوية صرح على إثرها ببيع مئات العقارات دفعة واحدة دون اتباع الإجراءات التي ينص عليها القانون كما سأبين (2) وعندما عرضت أسباب بطلان الحجز العقاري على المحكمة المختصة قبلتها وأبطلت الحجز والبيع وألزمت المنفذ بإعادة الإجراءات.. فطعن بنك الأمانة بالنقض ضد القرار وقضت الغرفة التجارية بالمحكمة العليا بقبول الطعن ونقض القرار مستندة في ذلك على قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بنواذيبو (رقم: 15/2024)، يبدو أن قضاة المحكمة لم يطالعوه وصدقوا البنك الطاعن في طبيعته إذ اعتبروا أنه أجاز بيع المنفذ والواقع أنه أحال القضية إلى المحكمة التي أبطلت الإجراءات التي قام بها المنفذ وألزمته بإعادتها (3) وإبان التنفيذ اضطر موكلي لرفع شكوى ضد الموثق الذي صرح للضبطية القضائية بأن إبراهيم ولد الحاج المختار لم يوقع البروتوكولات أمامه ولا في مكتبه وبذلك حصحص الحق حيث اعترف الموثق بأن إبراهيم لم يوقع أمامه وبعد أن حصحص الحق وبناء على العنصر الجديد والحاسم في القضية رجعنا إلى المحكمة التي أصدرت أوامر التنفيذ الجبري طالبين الرجوع عنها بناء على تصريح الموثق الذي يجعل السندات غير قابلة للتنفيذ.. فأجابت المحكمة طلباتنا الثلاثة بأمر واحد حرر في صفحة واحدة خلاصته أن رفض الطلب شكلا لعدم قابلية أوامر التنفيذ للرجوع!؟ (4) ونخلص في الخاتمة للعبر المستخلصة من هذه القضية (6).
1. تنفيذ سندات عرفية باعتبارها أصلاحا موثقة
في سنة 2023 قدم المصرف البروتوكولات الموقعة من طرف إبراهيم، منذ سنة 2018، للمحكمة التجارية بنواكشوط، طالبا إصدار أوامر بتنفيذها جبرا باعتبارها عقودا موثقة.. أمر رئيس المحكمة بتبليغ العرائض للمطلوب ومنحه أجل ثلاثة أيام للرد على طلبات البنك.. كان كل واحد من البروتوكولات الثلاثة يحمل توقيع الموثق وينص على أن إبراهيم بن أحمد بن الحاج المختار مثل مع محمد ولد أحمد سالم ولد بونا مختار (مدير بنك الأمانة) أمام الموثق المذكور في يوم كذا بمكتب الموثق (الذي ذكر عنوانه) وأن الطرفين اتفقا على مبلغ الدين وعلى طريقة سداده وأن الموثق قرأ عليهما مضمون الاتفاق قبل أن يوقعاه أمامه.. رد إبراهيم بأنه لم يوقع البروتوكولات المذكورة أمام موثق ولا في مكتبه ولم يحدث موثقا، لا مباشرة ولا عبر هاتف، بشأن موافقته على توقيعها ومنحها الصفة الرسمية وإنما وقعها منفردا بمقر المصرف في غياب المدير الذي وقع البروتوكول لاحق وبحضور أحد عماله.. وجدير بالذكر أن عدم التوقيع أمام الموثق يفقد البرتوكولات صفة السندات الرسمية ويجعلها غير قابلة للتنفيذ الجبري مع أنه يسوغ الاستدلال بها أمام المحاكم عندما تتصدي للأصل باعتبارها وثائق عرفية تشكل دليلا يسوغ تأكيده كما يمكن إثبات خلافه.. ودفع محامو الشركات بأن القضية من اختصاص محاكم نواذيبو، التي تقع في دائرتها مقرات الشركات المطلوب التنفيذ عليها خاصة في غياب اتفاق يتعلق بالاختصاص.. لم يقبل القاضي الدفوع المثارة أمامه وأصدر ثلاثة أوامر بالتنفيذ الجبري على شركات "آرماشيب" ARMACHIP، مازوف MASOF وسي. سي. إس. CCS (التي لم يكن الطرف الصيني شريكا فيها) إلى غاية مبلغ يناهز ثلاثة مليارات أوقية قديمة.. لم تكن ابروتوكولات الاتفاق، التي صدرت أوامر بتنفيذها مرقمة وكانت محررة باللغة الفرنسية مما ينفي عنها الصفة الرسمية طبقا للقانون: 19 - 97 المتضمن النظام الأساسي للموثقين (الذي كان نافذا آنذاك) والذي تنص مادته: 45 على أن الوثائق الرسمية يجب أن تكون محررة باللغة الرسمية.. تضمن أمر التنفيذ رقم: 151/2023 رقم السند المأمور بتنفيذه (الرقم: 03707: وهو رقم لا يوجد في ملف القضية ما يفسره لأنه غير مقيد على البروتوكول) فيما خلا الأمران 152/2023 و179/2023 من ذكر أي رقم للسند المأمور بتنفيذه؟! ولم يبين القاضي سبب عدم إدراج الأرقام في أمريه الأخيرين.. قدم محامو الشركات (الموكلين من طرف إبراهيم) طعنا بالاستئناف أملا في أن تنصف محكمة الدرجة الثانية، التي تتشكل من ثلاثة قضاة، موكلهم.. وعندما أحيل الملف إلى محكمة الاستئناف التجارية في نواكشوط سعى رئيسها لمصالحة الطرفين واتفقا أمامه مبدئيا على أن يتنازل البنك عن الفوائد ويسدد إبراهيم الأصل ولذلك طلب بموافاته بكشوف حسابات الشركات حتى يكون على بينة من أمره.. مانع المصرف في تقديم الكشوف المحاسبية لسبب ما ولكنه استجاب في النهاية لأمر القاضي.. ولما حصل إبراهيم على كشوف حسابات الشركات (التي أضيفت لها شركة رابعة في نفس الوضعية تدعى SOPREMER) عهد لمكتب محاسبة معروف على المستوى الوطني (BECHIR & CO) بتدقيقها.. خلص الخبير إلى تحديد دين البنك على الشركات الأربع بمبلغ 36.173.833 أوقية جديدة.. وباعتبار المبلغ الذي خلص إليه الخبير فإن المطالبة لا تعدو ثمن (8/1) المبالغ المضمنة في أوامر التنفيذ الجبري الثلاثة والتي تناهز ثلاثة مليارات أوقية قديمة (وبالتحديد 293.974.901 أوقية جديدة).. تعذر التصالح وبتت محكمة الاستئناف بتأكيد أوامر التنفيذ الجبري مما دفع محامي الشركات للطعن بالنقض، تشبثا بالأمل، ولكن الغرفة التجارية بالمحكمة العليا، التي تتشكل من خمسة قضاة، رفضت الطعـن.. قدم محامو إبراهيم طلبات إبطال البروتوكولات التي اعتبرتها المحاكم أصلاحا فصدر حكم برفض الطعن وفتحت الشركات دعوى في الأصل ضد بنك الأمانة وأمرت المحكمة بخبرتين عضدتا ما ذهب إليه الخبير الأول وعندما بتت المحكمة التجارية بنواكشوط في الأصل قضت برفض الدعوى "لانقضائها بالأصلاح الموقعة سابقا بين الطرفين" وأحيلت القضيتان إلى محكمة الاستئناف، قدم محامو الشركات طعونا في الحكمين الأخيرين لم يبت فيهما حتى تاريخ تحرير هذا المقال.
2. منعـــرجات مسطـرة الحجز
ينظم الحجز العقاري بالمواد من 379 إلى 405 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية ويباشره عدل منفذ تحت رقابة وإشراف المحكمة المختصة، حيث تنص المادة 399 من ق. إ. م. ت. إ على أن "إرساء البيع بالمزاد يقع بجلسة الحجوز العقارية التي تعقد بالمحكمة".. ونظرا لوجود عقارات إبراهيم في نواذيبو طلب بنك الأمانة من المحكمة التجارية بنواكشوط إنابة المحكمة التجارية بنواذيبو للتنفيذ فأصدرت أمرا بذلك استلمته كتابة ضبط المحكمة التجارية بنواذيبو بتاريخ 07/05/2024.. وعند عرض القضية أمام رئيس المحكمة التجارية بنواذيبو، للبت في طلبات متعلقة بمسطرة الحجز موضوع الإنابة، استشعر بنك الأمانة حرص رئيس المحكمة على عدم تجاوز الإجراءات المقررة فطلب من المحكمة التخلي عن القضية لصالح المحكمة التجارية بنواكشوط، فأجاب القاضي طلبه بإصدار أمر بالتخلي بتاريخ 01/08/2024، طعنت الشركات فيه وتأخر البت في الاستئناف إلى يوم 05/12/2024 كما سنبين وهي الفترة التي استمر المنفذ في إجراءاته دون الرجوع لمحكمة وفي غياب أي رقابة قضائية على عمله.. ومع أن من المفترض أن يوقف العدل المنفذ إجراءات التنفيذ حتى يبت في طلبات الإبطال أو تكون القضية في عهدة محكمة.. ما فقد قام قبل انقضاء أسبوعين على صدور أمر التخلي بإيداع كراس شروط لدى كتابة ضبط المحكمة التجارية بنواذيبو، بتاريخ 11/09/2024 (ومن الغريب أن الإيداع تم لدى نفس المحكمة التي كانت قد تخلت عن القضية بناء على طلب المنفذ لصالحه قبل أحد عشر يوما!؟).
ورغم أن إيداع كراس الشروط يقتضي التسليم باختصاص المحكمة، التي أودع لدى كتابة ضبطها، استمر بنك الأمانة في التمسك بأن المحكمة التجارية بنواذيبو تخلت عن نظر القضية ولم يقدم طلبات للمحكمة التجارية بنواكشوط التي طلب التخلي لصالحها فيما تابع المنفذ إجراءات التنفيذ متحججا بأمر التخلي للتهرب والتصرف في الممتلكات العقارية دون رقابة قضائية حتى لا يحاسب على التجاوزات وعلى غض الطرف عن إجراءات الحجز العقاري المقررة في المواد من 379 إلى 405 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية والتي تنص على إجراءات عديدة يترتب على عدم مراعاتها البطلان المطلق للمتابعات.
وفي تلك الظروف قرر العدل المنفذ الأستاذ / بابيه ولد محمد عبد الله عقد جلسة بيع بالمزاد العلني يوم الإثنين 15 أكتوبر 2024 على تمام الساعة الواحدة زوالا بقاعة الجلسات رقم 1 بمحكمة ولاية داخلة نواذيبو واستدعاني شخصيا لحضورها (بصفتي وكيلا للشركات) باستدعاءين مكتوبين استلمتهما من أحد أعوانه بتاريخ 13/09/2024 يتعلق كل منهما بالتنفيذ على الشركات الثلاث وينص كل منهما على ثلاثة أوامر من ضمنها أمر غريب على المسطرة (159/2023) وليس من ضمنها الأمر رقم: 152/2023 (المتعلق بالتنفيذ على شركة ماسوف) ويتعلق أحد الاستدعاءين بأحد عشر سندا عقاريا (لم يؤشر المحافظ العقاري على أي منها ولم يودع له كراس شروط) فيما يتعلق الثاني بمائتين وإحدى عشرة (211) قطعة أرضية (لم تعلق أرقامها مع الإعلانات).
وطبقا للمادة: 395 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية قدمت طلبات بطلان استلمتها كتابة ضبط المحكمة التجارية بنواذيبو بتاريخ 08/10/2024 وأشرت إلى تمسكي بها في كراس الشروط المودع لدى المحكمة والمتعلق بالقطع الأرضية التي يبلغ عددها 211 والذي لا ذكر فيه للسندات العقارية التي يبلغ عددها أحد عشر (11) سندا والتي أكرر أنه لم يودع كراس شروط متعلق بأي منها لدى المحكمة. ولم تبت المحكمة في أسباب البطلان المثارة قبل يوم 3 فبراير 2025 كما سيرد لاحقا.
وبينما كان استئناف أمر التخلي منظورا أمام محكمة الاستئناف التجارية أعلن العدل المنفذ بتاريخ 04/11/2024 عقد جلسة بيع بالمزاد العلني حدد لها يوم 14/11/2024 أي بعد عشرة أيام من تاريخ الإعلان وأثبتنا بمعاينة عدل منفذ مستقل أن الإعلان الوحيد المعلق عند مدخل قصر العدل في نواذيبو نص على بيع 211 قطعة أرضية وذكر أن أرقامها مرفقة إلا أنه لم يرفقها في الواقع.. ولم يشعـر المنفذ الشركات المحجوز عليها ولم يستدعها وعندما نبهته إلى أن القانون يوجب ذلك تحت طائلة البطلان رد علي بأنه يعتبر أن الاستدعاءات والإشعارات المتعلقة بجلسة 15 أكتوبر 2024 تعفيه من استدعاء المحجوز عليه للجلسات اللاحقة!؟ وجدير بالملاحظة أن عدم استدعاء المحجوز عليه في أجل ثلاثين يوما قبل البيع يترتب عليه البطلان المطلق للمتابعات إذ تنص المادة 391 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية على أنه: "يبلغ محضر تبليغ أو لصق الإعلانات، تلافيا للبطلان المطلق للمتابعات، للمدين والدائنين المقيدين، إن وجدوا بالموطن الذي اختاروه وقت قيامهم بالتقييد، وفي نفس وثيقة التبليغ يخطرون بالإطلاع على كراس الشروط والحضور للبيع. ويجب القيام بهذا التبليغ، تلافيا للبطلان المطلق للمتابعات، ثلاثين يوما على الأقل قبل اليوم المحدد للبيع، مع العلم أن يوم التبليغ لا يدخل في هذا الأجل".
ونظرا لأمر تخلي المحكمة التجارية في نواذيبو واعتبارا لكون محكمة الاستئناف التجارية لم تكن قد بتت في استئنافه، طلبنا من رئيس محكمة الاستئناف إصدار أمر بتعليق البيع إلى أن تلتئم غرفة المشورة وتبت في استئناف أمر التخلي الصادر عن رئيس المحكمة التجارية بنواذيبو، فرد رئيس محكمة الاستئناف التجارية على طلب التعليق بإصدار أمر بتعديل تاريخ العرض إلى 5/12/2024 بدلا من 14/11/2024 مجتهدا.. وعندما ناقشناه في ذلك أجاب بأنه يقدر بأن غرفة المشورة ستلتئم قبل ذلك التاريخ للبت في استئناف أمر التخلي.. ويبدو أن العدل المنفذ قرر اغتنام الفرصة والتصرف دون مراعاة الإجراءات المقررة في ست وعشرين (26) مادة إجرائية وأن يغض الطرف عما يجب من احترام الرقابة القضائية التي تعتبر قرارات المحكمة المختصة فيها نهائية، بحكم المادة 396 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية. واصل المنفذ نهجه في جمع الأوامر والشركات المحجوز عليها حيث قام بدمجها في مسطرتين تتعلق كل واحدة منهما بالشركات الثلاث وتنص على ثلاثة أوامر (أحدها الأمر رقم 159/2023 الذي لا علاقة له بالشركات.. وأضاف المنفذ أمرا رابعا غير مشمول في الإنابة القضائية هو الأمر رقم 194/2023). وأفرد المنفذ إحدى المسطرتين للسندات العقارية البالغ عددها 11 سندا (والتي لم يؤشر المحافظ العقاري على أي منها ولم يودع كراس شروط لها لدى المحكمة أصلا) والأخرى للقطع الأرضية البالغ عددها 211 قطعة والتي لم يحدد مساحة أي منها ولا سعرا افتتاحيا ولا موقعا ولم يورد حتى أرقام القطع (التي ذكر أنها مرفقة ولم يرفقها كما أثبتته معاينة عدل منفذ منتدب من طرفنا) كما لم يبلغ المحجوز عليه الذي توجب المادة 391 من ق. إ. م. ت. إ، تبليغه ثلاثين يوما قبل البيع، تحت طائلة البطلان المطلق للمتابعات.. وقام العدل المنفذ الأستاذ / بابيه ولد محمد عبد الله، في يوم الجمعة 29 نوفمبر 2024 بتحرير إعلانين بعرض بمقتضاهما مئات العقارات التي لم يؤشر المحافظ العقاري على أي منها ولم يحدد الإعلان الوحيد المعلق عند باب المحكمة أرقامها ولا مساحتها ولا أسعارها الافتتاحية وإنما اكتفى بأن يعلن عقد جلسة بيع بتاريخ 5 دجنبر 2024 على الساعة 11 بالنسبة للقطع الأرضية والساعة 12 بالنسبة للسندات العقارية، أي بعد ستة أيام تتخللها أيام عطلة نهاية الأسبوع.. ولم يبلغ أي استدعاء أو إشعار لمن ينوب عن الشركات المحجوز عليها التي أدرجها في مسطرة تنفيذ واحدة ولم يعلق إعلاناته إلا في مكان واحد (مع أن القانون يلزم بالتعليق في تسعة أماكن) وتم التعليق قبيل اليوم المحدد للجلسة، التي لم يعد لتعليق إعلاناتها محضر إلصاق مما يرتب عليه القانون البطلان المطلق للمتابعات. ولم يضمن إعلانيه رقم الأمر المتعلق بشركة "مازوف" كما تقدم وإنما أورد عوضا عنه أمرا لا علاقة له بالنزاع (رقم: 159/2023).
وفي يوم 05/12/2024 وعلى تمام الساعة الحادية عشر عقد العدل المنفذ الأستاذ/ بابيه ولد محمد عبد الله جلسة بيع في نواذيبو بحضور عدل منفذ معتمد في نواكشوط (الأستاذ/ سيدينا ولد أبكر) الذي صرح أنه مشترك معه في التنفيذ. وعند مستهل الجلسة تقدمت إلى المنفذ بصفتي وكيلا عن الشركات وطلبت منه بعض المعطيات الإجرائية اللازمة فرفض التعاطي معي.. وأثناء تبادلي معه بطريقة لا تخلو من تجاذب بلغ له، أمام ناظري، قرار محكمة استئناف نواذيبو التجارية رقم 15/2024، الصادر في نفس اليوم، والقاضي بإلغاء الأمر الصادر عن رئيس المحكمة التجارية في نواذيبو، بتاريخ 01/08/2024، الآمر بالتخلي عـن القضية وباختصاص المحكمة التجارية في نواذيبو نوعيا وترابيا في الإشراف على التنفيذ في القضية المحالة إليها.. وقع المنفذ على استلام منطوق القرار أمام منفذ مستقل وهم برفع الجلسة إلا أن شريكه في التنفيذ الأستاذ/ سيدينا (الذي يرأس تجمع المنفذين) أمره بمواصلة جلسته التي لم يحترم خلالها الإجراءات المقررة في المواد من 379 إلى 405 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية، كما يثبته محضر المعاينة الصادر عن عدلين منفذين مستقلين حضرا الجلسة بناء على طلبنا لمعاينة مجرياتها وإعداد محضر عن مشاهداتهما. وحضر الجلسة أشخاص محدودون منهم شاب ذكر أنه يدعى أحمد سالم دادو امصبوع، جلس وسط القاعة في مواجهة المنفذ وكان ينظر في ملف موجود بين يديه وكلما نادى المنفذ برقم وذكر له سعره المستخرج من ملف خاص يجيبه بقول لا أشتريه وربما أجاب بقول أشتريه (دون تقديم مزايدة على المبلغ الذي يذكر المنفذ).. وأثناء الجلسة تقدم رجل للمنفذ قائلا إنه يرغب في شراء بعض العقارات فرد عليه المنفذ أنه لم يعد لديه ما يباع.. وبعد انقضاء أقل من ساعة صرح الأستاذ/ بابيه أنه باع لولد امصبوع ما صرح بشرائه من القطع وملك الباقي (تمليكا) لبنك الأمانة وانسحب مع أعوانه من القاعة، كما أثبته العدلان المنفذان الحاضران في محضر معاينتهما المذكور.
وجدير بالملاحظة أنه لو احترم المنفذ القانون لما انتهى من تلقي العروض المتعلقة بمائتي عقار قبل عشر (10) ساعات متواصلة لأن القانون يلزمه بالتوقف عند كل عرض عقاري مدة ثلاث دقائق (3 دقائق X 200 عقار = 600 دقيقة = 10 ساعات). كما أن من الجدير بالذكر أن المزاد في بيوع العقارات يظل مفتوحا لمدة عشرة أيام طبقا للمادة: 401 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية التي تنص على أنه: "قبل افتتاح المزاد يجب على العون المنفذ أن يخبر بأن من يقع عليه إرساء البيع فإنه لا يعتبر مشتريا بصفة قطعية ونهائية إذا طرأ مزاد في أجل عشرة أيام من تاريخ إرساء المزاد من جانب أي شخص دون أن يكون ذلك المزاد يمكن العدول عنه".
وبعد الجلسة قام العدل المنفذ بتوقيع ثلاثة محاضر إرساء بيع بالمزاد العلني بمعدل محضر عن كل شركة وذكر في كل واحد منها أوامر التنفيذ الجبري رقم 151/2023، 159/2023 (الذي لا تعلق له بأي من الشركات) و179/2023 (المتعلق بشركة CCS والذي أضاف له الأمر رقم 194/2023 بحجة أنه أمر تصحيح مع أنه غير مضمن في الإنابة القضائية ولم يسبق أن بلغ للمحجوز عليها).. وفي المقابل لم يرد في المحاضر ذكر للأمر رقم: 152/2023 المتعلق بشركة "مازوف" MASOF كما يتبين بالرجوع لمحاضر إرساء بيع جميع العقارات خلال الجلسة المنعقدة بتاريخ: 05/12/2024 لصالح أحمد سالم دادوا مصبوع (حتى تلك التي صرح بأنه لا يشتري أدمجت في الجملة) وصرح المنفذ، في محضره، أنه نقل ملكيتها له دون اعتبار لكونه لم يزايد لأن المزايدة تفترض وجود سعر افتتاحي محدد سلفا يتم الانطلاق منه كما لم يراع المنفذ أجل عشرة أيام المنصوص عليه في المادة 401 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية ولا الدقائق الثلاث المنصوص عليها في المادة 400.. والأدهى من ذلك أن كل محضر من المحاضر الثلاثة نص على الحجز على إبراهيم ولد أحمد ولد الحاج المختار شخصيا (دون أمر قضائي يخول ذلك) ونص على الحجز على كل شركة من الشركات الثلاث إلى غاية مبلغ 324.374.901 أوقية (أكثر من ثلاثة مليارات أوقية قديمة)!؟
ومن اللافت في القضية أن الأمر رقم: 151/2023 الصادر عن المحكمة التجارية بنواكشوط أورد في ديباجته وفي منطوقه رقما غير مقيد على البروتوكول هو الرقم: 03707 كما ذكر أن السند الذي اعتبر صلحا موقع أمام موثق عقود ذكر اسمه مع أنه لا علاقة له بالموضوع!؟
ومن تطبيقات الظلم في هذه القضية أن دين شركة سي. سي. إس المحدد في أمر التنفيذ (179/2023) هو 76 مليون أوقية قديمة مع أن المنفذ أورد في أحد محاضره أنه باع لولد امصبوع عقارا لها بمبلغ 700 مليون أوقية قديمة.. ولكنه لم يعلق على الفارق المعتبر الذي يتعين أن يعاد للمنفذ عليه أو تحدد الوجهة التي سلكها!؟
3. الرقابة القضائية
بعد جلسة البيع التي عقدها العدل المنفذ بتاريخ 05/12/2025 والتي تزامنت مع صدور قرار محكمة الاستئناف القاضي بإلغاء أمر التخلي الصادر عن المحكمة التجارية في نواذيبو وبإعادة الملف إليها باعتبارها مختصة نوعيا وترابيا، رجعنا لمحكمة التنفيذ وقدمنا لها منازعة في إجراءات العدل المنفذ الجديدة وكنا قد تقدمنا أمامها، بناء على المادة 395 من ق. إ. م. ت. إ بأسباب بطلان، بتاريخ 08/10/2024، قبل جلسة البيع الوحيدة التي أبلغنا بها العدل المنفذ والتي كانت مقررة يوم 15/10/2024، وقيدنا تمسكنا بها في كراس الشروط، إلا أن المحكمة لم تبت فيها.. أمرت المحكمة باستدعاء الأطراف لجلسة غرفة مشورة عقدتها بتاريخ 30/01/2025 حضرها بالإضافة لقضاة المحكمة الثلاثة العدل المنفذ والطرفان وبعد إدلاء كل طرف بما لديه وجهت المحكمة أسئلة للعدل المنفذ وحجزت القضية للمداولات التي أصدرت المحكمة على إثرها قـرارها رقم: 07/2025 بتاريخ 03/02/2025 القاضي بإبطال إجراءات الحجز العقاري والبيع الذي صرح به العدل المنفذ بتاريخ 05/12/2024 وإلزامه بالبدء في إجراءات التنفيذ من جديد وهو قرار حرر في خمس صفحات.. وعلى الرغم من الطبيعة التمهيدية للقرار التي تمنع الطعن فيه ومن نص المادة 396 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية على أن "القرارات الصادرة عن المحكمة بشأن الحجز العقاري تعتبر نهائية"، على الرغم من ذلك طعن بنك الأمانة بالنقض في القرار وعمل على إحالة الملف إلى الغرفة التجارية بالمحكمة العليا.
وبناء على طعن بنك الأمانة بالنقض ضد القرار الذي ألزم المنفذ بمعاودة إجراءات التنفيذ، بلغت لنا مذكرة الطاعن للرد عليها خلال سبعة أيام ووصل ردنا كتابة ضبط الغرفة التجارية بالمحكمة العليا يوم الخميس 06/03/2025 وبتت الغرفة يوم الثلاثاء 11/03/2025 حيث أصدرت قرارا بنقض القرار رقم 07/2025 الصادر عن المحكمة التجارية في نواذيبو بتاريخ 03/02/2025.. وبدلا من أن يعود منفذ بنك الأمانة إلى المحكمة التجارية بنواكشوط، انسجاما مع الطلب المضمن في مذكرة البنك الجوابية المقدمة إلى محكمة الاستئناف التجارية في نواذيبو، إبان جلستها المنعقدة بتاريخ 20 نوفنبر 2024، غير المصرف نهجه وبدا له أن يتمسك بأن التنفيذ قد انتهى وأن القضية حسمت لصالحه لأن المحكمة العليا بإلغاء قرار محكمة الرقابة وعدم الإحالة لمحكمة تنظر في سلامة إجراءات الحجز التي لا تختص فيها المحكمة العليا ملكته جميع عقارات إبراهيم.. وطفق البنك يسوق القطع الأرضية بالتنسيق مع المشتري المعلن أحمد سالم دادو امصبوع الذي ذكر البعض أنه يعمل لحساب مدير بنك الأمانة محمد ولد بونا مختار (الرئيس الحالي لفيدرالية المؤسسات المالية FIF).. وأمام حجم التجاوزات الذي قام به العدل المنفذ إضرارا بمصالح إبراهيم ولد الحاج المختار والذي جسده في محاضر وتصرفات غير مؤسسة، رفع إبراهيم شكوى للنيابة العامة المسؤولة عن رقابة عمل المنفذين.. ولما حضر العدل المنفذ أمام المدعي العام لدى محكمة استئناف نواذيبو، تمسك بأنه محمي بقرار صادر عن المحكمة العليا.
وعلى الرغم من أن القانون يوجب تحرير القرارات القضائية عند النطق بها أو خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ النطق ورغم الإلحاح المتكرر لمحامي الشركات فقد تأخر تحرير القرار رقم 09/2025 الصادر عن الغرفة التجارية بالمحكمة العليا بتاريخ 11/03/2025 زهاء ثلاثة أشهر حيث لم يتم تحريره إلا يوم الإثنين 2 يونيو 2025.. وعند مطالعة أسباب القرار الصادر عن محكمة النقض وجدنا أنها تتلخص في سببين اثنين لا ثالث لهما: أولهما أن الشركات لم تثر أسباب البطلان في الأجل ولم تقيدها في كراس الشروط طبقا للمادة 395 من قانون المرافعات وفات على المحكمة العليا أن الجلسة الوحيدة التي أبلغنا بها العدل المنفذ هي الجلسة التي قرر المنفذ عقدها بتاريخ: 15 أكتوبر 2024 والتي قدمنا أسباب بطلانها في عريضة واصلة لمحكمة التنفيذ بتاريخ 08/10/2024 وأنني قيدت شخصيا فيما سمي كراس الشروط، بخط يميني، تمسكي بأسباب البطلان المقدمة للمحكمة ووقعت تحتها في الأجل المحدد كما أثبتته المحكمة، التي وضع الكراس لديها، في قرارها موضوع الطعــن مما يمكن التأكد منه بالرجوع للكراس المذكور.. وأن المحكمة التجارية في نواذيبو لم تبت في طلبات الإبطال المقدمة من طرفنا إلا بموجب قرارها رقم 07/2025 الصادر بتاريخ 03/02/2025 موضوع النقض. أما الجلسات التي خالف المنفذ القانون في عدم تبليغها للمحجوز عليه فلا نعتقد أن المحكمة العليا يتعين أن ترتب عليها أثرا وأن تلزم بها من لا يفترض علمه بها خاصة وأنه كان يجب على المنفذ أن يوقف إجراءاته إلى أن تبت محكمة الرقابة برفض أو قبول أسباب البطلان المقدمة.. أما السبب الثاني الذي استندت عليه الغرفة التجارية بالمحكمة العليا فيتمثل في أن القرار رقم 15/2024 الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية في نواذيبو غير تاريخ البيع ليصبح 05/12/2024 وأنه كان "حريا بالمحكمة مصدرة القرار احترام قرار محكمة الاستئناف".. والواقع أن المحكمة العليا، فيما يبدو، لم تتأكد من تاريخ وفحوى القرار الذي أوردته: فالقرار رقم 15/2024 صدر يوم 05/12/2024 (في نفس يوم جلسة البيع التي عقدها العدل المنفذ) وقضى بإلغاء أمر التخلي وباختصاص المحكمة التجارية في نواذيبو التي أصدرت القرار رقم 07/2025 موضوع النقض (ولا مناكرة في محسوس).
ومن يطالع أسباب القرار رقم 09/2025 يخلص لاستنتاج مؤسف هو أن الغرفة التجارية بالمحكمة العليا، التي نقضت القرار لم تطالعه قبل نقضه وقضت عليه دون أن تقرأ أسبابه ولو طالعته لبدا لها أنه استند إلى القرار رقم 15/2024 الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية في نواذيبو بتاريخ 05/12/2024 الذي أعاد القضية للمحكمة التجارية في نواذيبو بعد أن تخلت عنها.. كما أن من المؤسف أن الغرفة التجارية بالمحكمة العليا نقضت قرارا دون أن تطالع مذكرة الطعن الجوابية المقدمة من طرف المطعون ضده والتي تضمنت تكذيب ما افتراه بنك الأمانة على القرار رقم 15/2025.. وسبب الأخطاء التي وقع فيها القرار رقم 09/2015 الصادر عن الغرفة التجارية بالمحكمة العليا بتاريخ 11/03/2025 أنه اكتفى بما ورد في مذكرة بنك الأمانة وأسس على المغالطات البينة الواردة فيها ومنها الافتراء بأن القرار رقم 15/2024 حدد تاريخ البيع للمنفذ.. ومن مبادئ القضاء أنه لا يصدق أحد على دعواه مهما كانت درجة أمانته.
4. حصحصة الحق
وعلى الرغم من رفض المحاكم الموريتانية بكل درجاتها لدفوع ودعاوى إبراهيم لم يخب رجاؤه ولم يتوقف عن مد يديه لله بأن يرفع عنه الظلم.. وبموازاة ذلك استمر في تحريك الأسباب.. رفع شكوى للنيابة العامة ضد الموثق الذي تحمل "ابروتوكولات الاتفاق" توقيعه وتنص على أنها موقعة أمامه وبمكتبه والتي أمرت المحاكم بتنفيذها على ذلك الأساس فأحالت النيابة الشكوى للضبطية القضائية للبحث حيث اعترف الموثق، خلال شهر مارس 2025، بأن البروتوكولات لم توقع أمامه ولا في مكتبه وأنها مطبوعة من طرف بنك الأمانة.. وتم تضمين تصريحه في محضر البحث الابتدائي رقم 012/2025 الصادر عن مفوضية الشرطة الخاصة للإنابات القضائية بتاريخ 17/03/2025 وهو المحضر الذي لم يتضمن موقف بنك الأمانة لأن مفوض الشرطة المعني لم يستدع مدير البنك الذي وقع البروتوكولات موضوع المسطرة التي رفعت إلى وكيل الجمهورية بنواكشوط الغربية فقرر حفظها دون متابعة وأشعر بذلك الشاكي بتاريخ 26/03/2025.
وإثر حصول الشركات على نسخة من محضر البحث الابتدائي المتضمنة لتصريح الموثق، الذي يعد جديدا وحاسما لأنه ينفي عن السند الصفة الرسمية ويجعله غير قابل للتنفيذ، قدمت ثلاثة طعون من طرق الطعن غير العادية المقررة لمثل هذه الحالات والمتمثل في طلب المراجعة.. رجعت أنا وزملائي لمحكمة نواكشوط التجارية التي أصدرت أوامر التنفيذ الجبري أصلا وقدمنا لها ثلاثة طلبات رجوع يتعلق كل واحد منها بشركة ويتألف كل طلب من ست (6) صفحات ثلاث منها تتعلق بالشكل وأضفنا المثبتات.. عقدت المحكمة جلسة استعجالية بتاريخ 15/05/2025 وحجزت للتأمل.. وفي يوم 19/05/2025 قرر الرئيس استدعاء الطرفين للوساطة في جلسة قررها بتاريخ 21/05/2025.. وفي يوم 23/05/2025 أصدرت المحكمة أمرا واحدا في صفحة واحدة ورد في منطوقه: "نأمر ابتدائيا حضوريا برفض طلبات الرجوع شكلا لعدم قابلية أوامر التنفيذ للطعن بالرجوع". استأنفنا الأمر ونحن نتساءل عن مدى عدالة تمسك المحكمة بأوامر تنفيذ تتعلق بسندات لم تعد قابلة للتنفيذ؟!
5. الخاتمة
تجنبت في هذا المقال تناول التقويم العام لعمل القضاء الموريتاني ومستوى أدائه واكتفيت بتناول وقائع قضائية يتيسر التحقق من صحتها.. وقائع تعكس طريقة التعاطي مع القضايا التي تحسم المحاكم بعضها استعجاليا دون دراسة مسبقة ودون تفحص محتويات الملف وما قد يتخلل المداولات من إهمال حجج أحد الطرفين مع أن القانون يوجب استعراضها والرد عليها فحتى لو كانت حجة أحد الخصمين ضعيفة أو تبدو للقاضي واهية فمن واجبه أن يستعرضها ويرد عليها إقامة للحجة.
وبينت في المقال مستوى التجاوزات التي تطبع عمل بعض المنفذين الذين يتملصون من الرقابة القضائية المقررة بأساليب كيدية ولا يجدون من يسائلهم عن ذلك ففي النازلة طلب بنك الأمانة من المحكمة التجارية بنواكشوط إنابة المحكمة التجارية بنواذيبو في إجراءات التنفيذ وبعد أن أحيل ملف القضية إلى المحكمة المنابة طلب منها نفس طالب الإنابة التخلي عن القضية فأصدرت أمرا بذلك أتبعه المنفذ بإيداع كراس شروط لدى كتابة ضبط نفس المحكمة بعد أن تخلت عن القضية وانقضى على ذلك أحد عشر يوما.. وعلى الرغم من إيداع أسباب بطلان إجراءات التنفيذ لدى محكمة الرقابة وتقييد التمسك بها في كراس الشروط خلال الأجل واصل المنفذ التنفيذ وبعد تبليغه قرارا من محكمة الاستئناف التجارية في نواذيبو بإلغاء أمر التخلي وإعادة القضية للمحكمة التجارية في نواذيبو واصل المنفذ جلسته التي انتهك خلالها جل الإجراءات المقررة تحت طائلة البطلان وقرر بيع مئات العقارات دون تبليغ مسبق بجلسة البيع ودون انتظار انقضاء الآجال المقررة قانونا.
وبدلا من أن تلعب المحكمة العليا دورها في فرض احترام القانون على باقي المحاكم، نجد أنها تتخذ بعض قراراتها قبل مطالعة الملف لدرجة، تحمل على الاعتقاد، أنها قد تنقض قرارا دون أن تقرأه كما وقع في القضية موضوع الهفوة، حيث استند قرار الغرفة التجارية بالمحكمة العليا رقم: 09/2025 على أساس أن القرار رقم: 15/2024 الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية في نواذيبو، حدد تاريخ البيع للمنفذ بيوم 05/12/2024 والحقيقة هي أن القرار رقم 15/2024 صدر في نفس يوم جلسة البيع التي عقدها المنفذ وأنه، بخلاف ما اعتقدته المحكمة، قضى بإعادة القضية إلى المحكمة التجارية بنواذيبو باعتبارها مختصة والتي اطلعت بدورها الرقابي وقضت بالإبطال وأمرت المنفذ بإعادة الإجراءات، البين عوارها. حينها لم يلبث المنفذ لصالحه أن استصدر قرارا من الغرفة التجارية بالمحكمة العليا بنقض القرار الذي أمر المنفذ بتصحيح إجراءاته.. ومما لا جدال فيه أن محكمة النقض لم تطالع مذكرة الطعن الجوابية التي استهلت بدفع بانعدام الصفة في تقديم الطعن التي تعود للمنفذ لا للمنفذ لصالحه مما أوقعها في الهفوة التي وقعت فيها.
- يتواصل -
نواذيبو بتاريخ 11 يونيو 2025