على مدار الساعة

ملاحظات سريعة على الحج الموريتاني لهذا العام

8 يونيو, 2025 - 00:57
لارباس دحيد

لا شك أن الحج ليس سياحة، وأن الحاج ينبغي أن لا يتضجر، وأن يتحمل كل ما يتعرض له في سبيل الشعيرة العظيمة التي قدم لتأديتها، وأن يجعل من الحج دورة تدريبية لضبط الأعصاب، وترويض النفس، تاركا الرفث، والفسوق، والجدال، ممتثلا لأمر الله {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}.

 

وقبل الدخول في الملاحظات، كنت أظن أنه يوجد فرق شاسع، أو في حدود المعقول بين الدولة والوكالات، من ناحية الخدمات، وذلك نظرا للتكلفة الجنونية التي يدفعها الحاج الموريتاني للوكالة، مقارنة بأسعار الدولة، وبما تدفعه شعوب دول أخرى مجاورة، كالمغرب،  والجزائر، وتونس، ولكنني وجدت أنه لا فرق بين ما تقدمه الوكالات، وما تقدمه الدولة، إذ القاسم المشترك هو رداءة الخدمة، واحتقار الزبون، مع أنني شخصيا كنت من ضمن حجاج وكالة من أحسن الوكالات خدمة على علاتها، على الأقل لم يسحبوا مني جواز السفر، وأعطوني حرية التنقل، وكان مندوبها حاضرا في كل صغيرة، وكبيرة، وسريع التجاوب، لكن لا شيء لديه ليقدمه لك سوى بساطة وجه وكلام لين، والباقي هو الذي عندك وعند غيرك من حجاج الدولة، أو الوكالات الأخرى، سرير في غرفة نوم ضيقة ووجبة تعيسة دونها قطع الأعناق، هذا هو حالهم في المدينة لكن قرب الحرم نسبيا يغطي على النقص.

 

أما في مكة فالوضع أسوأ إذ أصبحت الفنادق أضيق، ومكان الحرم المكي أبعد بكثير من مكان الحرم في المدينة، والغرف كأنها كف شيطان

 

أما حين تنتقل لمنى في يوم التروية، فهنا تبدأ مرحلة الكوارث، ويختلط الحابل بالنابل، فيصير الوضع لا يطاق، ولا فرق بين حجاج الدولة وحجاج الوكالات، ولا خيمة مخصصة،  ولا سرير، والكل نفسي نفسي، التنظيم رديء بل معدوم، والناس فوق بعضها، ولا يوجد حتى ممر بين الأسرة، أو مسافة بينك وبين الشخص الذي سيكون في "الضريح" المجاور لك، وإن قمت عن سريرك لقضاء حاجة احتله شخص آخر، وليس أمامك سوى تركه، أو الجدال والشجار معه، فتتركه لحاله وتنتقل إلى مكان آخر، وتبقى بهذه الحالة متنقلا بين الخيم في درجة حرارة مرتفعة إلى أن يحين وقت الذهاب إلى عرفة، حيث لا نوم، ولا راحة ولا روح للعبادة مع المخيم الجديد.

 

فحين تصل إلى عرفة ستدرك أنك كنت تسكن فندق 5 نجوم مقارنك بسكن منى! ففي عرفة تم وضع أسرة متراكمة لا يتجاوز عرض الواحد منها الشبر ونصف الشبر، وحين تجلس يكون نصفك على السرير، ونصفك على الشخص المجاور، وحين تريد دخول الخيمة أو الخروج منها ستكون أمامك معركة عظيمة إذ تحتاج إلى اختبار صبر الأشخاص الذين ستجعل منهم ممرا لتصل على ظهورهم إلى الحفرة التي تسكنها، ذلك المكان الذي ستجلس فيه لتبدأ رحلة من الرفس والضرب والتنكيل، فلا تستطيع النوم، ولا الذكر، ولا الدعاء، ولا الراحة، ولا حتى ضبط نفسك ولو ملكت صبر أيوب، وسيظل هذا هو حالك إلى غياب شمس يوم عرفة.

 

أما ليلة المبيت بمزدلفة فهي أكثر الليالي راحة، إذ لا علاقة لك بوكالة، ولا بدولة، ستبيت مفترشا الأرض، وملتحفا السماء، مستلقيا فوق إحرامك عند المشعر الحرام، مع راحة نفسية لا تستطيع وصفها.

 

خلاصة الأمر، أنه لا يوجد تنظيم، ولا أشخاص يتحملون المسؤولية، والفوضى هي سيدة الموقف، والتربح وحلب المواطن هو المطلوب وقد حصل.

 

فإن ضبطت نفسك ورجعت بذنب مغفور فكل ما مر شربة ماء باردة، وإن لم تغفر ذنوبك فقد خسرت الدنيا والآخرة.

 

نسأل الله أن يمن علينا بغفران الذنوب وستر العيوب.

 

مقارنة سريعة:

مقارنة سريعة بين أسعار الدولة عندنا وأسعار الدول الأخرى مع فارق الجودة في الخدمات المقدمة لهم "الجزائر نموذجا".

 

حدثني جاري الجزائري في المسجد النبوي الشريف أن المواطن الجزائري يدفع 5000 دولار

أي قرابة 2000000 (مليونين أوقية)، وحين يصل إلى الأراضي المقدسة ستدفع له الدولة 3700 ريال سعودي، أي قيمة 1000 دولار، لتبقى التكلفة الإجمالية 1640000 (مليون وستمائة وأربعين ألف أوقية)، أي فارق 1060000 (مليون وستين ألف أوقية).

 

أما الفرق بينهم والوكالات عندنا فهو رقم فلكي يصل قرابة مليونين ونصف كأقل تقدير.

 

أعتذر عن الإطالة ولي عودة للموضوع بشيء من التفصيل.

 

تقبل الله منا ومنكم وعيدكم سعيد

 

كل عام أنتم بخير.