قرأنا وسمعنا في الآونة الأخيرة نقدا لاذعا، وتهجما حادا على لجنة مراقبة الأهلة بصفتها المعنوية، وعلى أعضائها بصفتهم الشخصية، بطريقة غير مقبولة أخلاقيا ولا شرعيا ولا علميا، لما فيها من تبسيط الأمور لدرجة تصل إلى التسطيح المخل، وتجاوز في حق أئمة وعلماء وقضاة لا يمكن التشكيك في علمهم وورعهم وصدق نياتهم.
إن إشكالية إثبات الأهلية أكثر تعقيدا من موقف من هذا الشخص أو ذاك، أو تلك المؤسسة أو تلك، بل هي قضية متعددة الأبعاد، فيها جانب علمي فلكي يحتاج لنظرة الفلكيين، وجانب شرعي قانوني يرجع فيها إلى العلماء في الدين، وجانب إجرائي تنفيذي يرجع فيه إلى الضبط والتقنين، وكل واحد من هذه الجوانب له من الطرق والتشعبات ما لا يمكن حصره.
ففي الجانب العلمي الفلكي، وحتى عند من يتوسع ويقول بوجوب أو جواز اتباع حالات القمر الفلكية، نجد أن الفلكيين أنفسهم ليسوا متفقين على اللحظة التي نبدأ منها حساب الهلال، هل تبدأ بالمحاق، أو بزاوية ولادة الهلال مهما دقت وفي أي وقت، أو بولادته مع وقت كاف لرؤيته في المساء الموالي. وحسم هذا الأمر يحتاج إلى كثير من البحث والنقاش العلمي والشرعي الدقيق.
وفي الجانب الشرعي يعرف الجميع خلاف الأئمة في اتحاد الرؤية واختلافها، واختلاف العلماء في طرق إثبات الهلال بين الاكتفاء برؤية الواحد واشتراط الاثنين، بسبب الخلاف هل الإخبار عن رؤية الهلال شهادة تحتاج لاثنين، أو مجرد رواية يكفي فيها خبر الواحد. ومع اتفاقهم على اشتراط العدالة، يبقى الخلاف قائما في شروط التعديل وأسباب التجريج، وهل الأصل في العامة الجرحة أو العدالة؟
أما الجانب الإجرائي فهو أهم الأمور وأسهلها ضبطا لمن أراد، وأتمنى أن يبدأ ضبطها بوضع مدونة واضحة المعالم يشرف على صياغتها خبراء وعلماء، توضح آلية وخطوات وإجراءات إثبات الهلال، وتبين فيها المعتبر عندها من غير المعتبر، من الآراء والشروط والضوابط والقواعد، وتشرح كيفية اتخاذ القرار داخل لجان الأهلة، ونشر هذه المدونة للعامة حتى نقطع دابر التحليلات والتعليلات المشككة.
ولن تكتمل الثقة في اللجنة وقراراتها إلا بوضع آلية للرقابة والتفتيش على قراراتها بثبوت أو عدم ثبوت الهلال. ومن أغرب الغرائب أن تكون قرارات اللجنة نهائية لا طعن عليها ولا استئناف فيها، مع أن أحكامها ليست أجلّ من أحكام القضاء التي لا يخلوا جلها أو كلها من إمكانية الطعن والاستئناف. صحيح أن الوقت ضيق عن مثل هذا الإجراء لكن مجرد وجود آلية للرقابة على أي مؤسسة أو عمل يزيد الكفاءة في اتخذا القرار، ولا شك أن غياب آليات الرقابة على أي عمل يهم الجميع كفيل بالقضاء على نزاهته أم الناس.