الأخبار (نواكشوط) – كشفت مواقع في غينيا كوناكري تفاصيل "احتيال" رجل الأعمال الموريتاني يعقوب ولد سيديا على البنك المركزي الغيني، حيث هرَّب نحو طن من الذهب من غينيا، مستغلا ما وصفته هذه المواقع بـ"شبكة احتيال منظمة"، كان يتزعمها، وفق التحقيقات التي أجراها الدرك الغيني.
وأكدت هذه المواقع الإعلامية (خصوصا soleilfmguinee.net بالتعاون مع Chretiens.com وCrocinfos.net) أن ولد سيديا كان العنصر الرئيس في الشبكة الإجرامية، ويعتبر دوره حاسما في كل المسلسل العملياتي، لافتة إلى أنه اعتقل وبقي رهن الاحتجاز لدى الدرك الوطني الغيني لأكثر من شهر بين دجمبر 2024 ويناير 2025.
وأضافت أنه أطلق سراحه في 25 يناير 2025، وذلك بعد "التزامات" أعطتها السلطات العليا في موريتانيا، من ضمنها إعادة أكثر من طن من الذهب الغيني العالق لدى مصفاة "إمارة ميتينغ" التي يمثلها، خلال أجل لا يتجاوز 72 ساعة.
"اختفاء غامض"
وسائل الإعلام الغينية، التي أوردت تفاصيل العملية بناء على معلومات حصلت عليها من مصادر خاصة، أكدت أن ولد سيديا غادر كوناكري بعد إطلاق سراحه المشروط، متوجها إلى دبي ونواكشوط، وكان يرافقه رجل أمن من الدرك الغيني، إضافة لوفد رسمي من غينيا.
وأشارت هذه المواقع إلى أن ولد سيديا، بعد أن وصل دبي، رفقة الغينيين، من أجل أن يعيد إليهم ذهبهم، اختفى عنهم بشكل غامض، حيث ادعى لهم حاجته إلى علاج عاجل في إحدى العيادات، ليختفي عن الأنظار.
وأكدت الصحف الغينية، أن رجل الأمن الغيني وجد نفسه مهجورا في فندق، إلى جانب البعثة الرسمية الغينية، المكونة من ممثلين عن الرئاسة والبنك المركزي الغيني، مردفة أنهم جميعا تعرضوا للخداع والإهانة من قبل ولد سيديا المثير للجدل، وعادوا خاليي الوفاض إلى كوناكري يوم 18 فبراير 2025، بعد أكثر من أسبوعين في دبي، على أمل الحصول على رد إيجابي كما كان مقررا.
ولم تشر الصحف الغينية إلى الطريقة التي غادر بها ولد سيديا الإمارات العربية المتحدة، وما إذا قد تلقى مساعدة من جهة ما، فيما أكدت أنه أغلق هواتفه، وبقيت الرسائل المرسلة إليه دون رد.
"لن نستسلم"
الصحف التي تناولت الموضوع، نقلت عن السلطات الغينية تأكيدها أنها لن تستلم، وستسعى بكل السبل لاستعادة ذهبها الذي اختفى فجأة، مردفة أن الأمر الوحيد المؤكد هو أن السلطات الغينية تعمل بجد لكشف الحقيقة في هذه المسألة التي تهم الوطن والمنطقة.
كما أكدت أن السلطات الغينية والموريتانية معا عاقدتان العزم على تسليط الضوء على هذه القضية بكل تفاصيلها.
ونقلت الصحف الغينية التي تناولت الموضوع عن الوزير الأمين العام للرئاسة، الجنرال أمارا كامارا، قوله: "نحن نعرف أين يوجد ذهبنا، ونعرف كيف سنستعيده"، في إشارة إلى وجوده في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة.
"احتيال محترف"
الصحف، كشفت تفاصيل عملية الاحتيال المحترفة التي تمكن من خلالها ولد سيديا وشبكته الممتدة بين موريتانيا وغينيا ودبي من الحصول على أكثر من طن من ذهب البنك المركزي في غينيا كوناكري، لافتة إلى أن بداية القضية تعود لفبراير 2021، حيث اقترح رجل الأعمال الموريتاني يعقوب سيديا على البنك المركزي لجمهورية غينيا فتح حساب لدى الشركة المالية الأمريكية "برينكس Brink’s" مخصص لاستقبال المعدن الأصفر (الذهب) الغيني بعد تكريره في مصفاة "EMR".
وأكدت الصحف الغينية أن التحقيقات كشفت للبنك المركزي الغيني أن مصفاة "EMR" لم تقم بأي إيداع في "برينكس"، مضيفة أن الأسوأ من ذلك أن الحساب الذي فتح باسم الشركة المالية كان مزيفا، ولم يكن له أي وجود في الواقع، حيث نفت "برينكس" فتح أي حساب باسم البنك المركزي لجمهورية غينيا في سجلاتها.
وأشارت الصحف الغينية إلى أن البنك المركزي الغيني كان يتلقى وثائق بإيداع الذهب بهذا الحساب المزيف، بالإضافة إلى فواتير مزورة بعناية باسم "برينكس"، لافتة إلى أن المدقق العام لدى البنك المركزي الغيني ديافاريو باه، هو من كان يستقبل هذه الوثائق ويصدق عليها بالتعاون مع فريق يعقوب سيديا العقل المدبر للشبكة، وقد تم تعليق عمله منذ يناير 2025.
ولفتت الصحف التي أوردت تفاصيل عملية الاحتيال إلى أن ديافاريو باه قد يكون أمضى هذه الوثائق وهو على دراية تامة بتزويرها، وبالتعاون الوثيق مع فريق يعقوب سيديا، وينبع هذا التواطؤ من علاقة طويلة الأمد، حيث تشير مصادر داخلية إلى وجود صداقة قديمة بين ديافاريو باه، ونائبة محافظ البنك المركزي الغيني السابق سوادو بالديه، ورجل الأعمال الموريتاني يعقوب ولد سيديا.
وتحدثت الصحف عن الاشتباه في أن سوادو بالديه نقلت معلومات سرية من البنك المركزي لجمهورية غينيا، إلى مكتب "KPMG" ويعقوب سيديا، بهدف مفترض وهو الإضرار بالمحافظ الحالي، وأخذ مكانه.
شبكة محكمة التنظيم
الصحف الغينية، توقفت مع إحكام وتنظيم الشبكة التي تولت عملية الاحتيال، وحصلت على أكثر من طن من ذهب غينيا، معتبرة أن من أدلة ذلك أنه في يوم 5 فبراير 2021 تم توقيع ملفات فتح الحساب الشهير لبنك "برينكس" من قبل المحافظ السابق لونسيني نابي، وكان حينها كريم جندوبي هو المدير العام.
وأضافت أنه بعد ذلك بوقت قصير، أي في أغسطس 2021، وظف يعقوب سيديا كريم جندوبي في شركتيه "العالمية للطيران" و"MSS Security"، وذلك بهدف تشغيل شبكته على نحو غير مباشر ضد المصالح التعدينية لغينيا، ولم يعد كريم يعمل في "برينكس"، ومع ذلك استمر في توقيع الوثائق باسمها، وهي الوثائق التي كان يعقوب سيديا يرسلها إلى البنك المركزي لجمهورية غينيا.
ووفق التحقيقات، فإن إحكام عمل الشبكة، ودقة تنظيمها سمحا لولد سيديا باستمرار الحصول على الذهب الغيني في دبي بشكل غير قانوني عبر شركته "Phoenix Precious Metals" ومصفاة "EMR"، بينما كان من المفترض أن يتم إيداعه في الحساب المزعوم باسم البنك المركزي لجمهورية غينيا في "برينكس".
وتحدثت الصحف الغينية، عن اعتقاد سائد لدى المسؤولين الغينيين والمحققين بأن ولد سيديا وشبكته كانت لديهم "أياد سياسية خفية وراء هذه الملفات".
حضور رسمي موريتاني
الصحف الغينية، توقفت مع الزيارة التي قام بها وزير الخارجية والتعاون والإفريقي والموريتانيين في الخارج محمد سالم ولد مرزوك للعاصمة الغينية كوناكري يوم 10 مارس 2025، مؤكدة أنه "جاء رسميا لمناقشة هذه القضية".
وأشارت الصحف إلى أنه كان من المفترض أن يرافق المشتبه به يعقوب ولد سيديا، ولد مرزوك خلال هذه الزيارة، لكنه تراجع في النهاية، لأنه كان يخشى على الأرجح اعتقاله، بسبب حادثة هروبه المنظم في دبي.
وأكدت الصحف أن ولد مرزوك عقد اجتماعا مغلقا في فندق بالعاصمة الغينية، فيما لم تحدد حضوره، منبهة إلى أن تفاصيله بقيت سرية حتى الآن، متسائلة ما هي الخطوة التالية في هذه القضية؟ وهل ستتم تصفيتها نهائيا؟ أم ستستمر في تقديم المفاجآت حول مصفاة "EMR"؟
خيوط متشابكة
المعطيات المتوفرة عن شبكة الاحتيال التي راح ضحيتها البنك المركزي الغيني، تشير إلى وجود خيوط عديدة ومتداخلة، بين رجل الأعمال الموريتاني يعقوب ولد سيديا، وشخصيات مثيرة للجدل، من بينها الملياردير الروسي الخاضع للعقوبات أليكسي مورداشوف، ورجل الأعمال الصحراوي، مولود سعيد.
ووفق مؤسسة ledialogue.fr الفرنسية، فإن شركة Phoenix Metals التابعة ليعقوب سيديا لها صلات بشركة Nordgold، وهي شركة تعدين مملوكة لرجل الأعمال الروسي مورداشوف.
كما أن الصحراوي مولود سعيد كان يتولى إدارة إحدى شركات يعقوب سيديا في أسبانيا، وقد تم كشف تورطها في تهريب الذهب بشكل غير قانوني، والتهرب من الضرائب والجمارك واللوائح الخاصة بمكافحة غسيل الأموال.
كما كشف تحقيق ledialogue.fr الفرنسية، عن ارتباط شركة Phoenix، وولد سيديا ومولود سعيد بكيانات في إسبانيا من بينها (PHOENIX PRECIOUS METALS SOCIEDAD LIMITADA)، والإمارات العربية المتحدة (PHOENIX PRECIOUS METALS DMCC)، وبوركينا فاسو PHOENIX FASO MINING.