على مدار الساعة

14:54

موريتانيا بين التألق الدبلوماسي والحوار الشامل

31 مايو, 2025 - 00:53
المهندس / الحضرمي محمد انداه - رئيس فرع حزب الإنصاف بگرو

إن الظفر بأهم منصب اقتصادي ومالي في إفريقيا، وقيادة مؤسسة توازي حجم البنك الدولي، لم يأت من فراغ بقدر ما جاء نتيجة سياسة خارجية حكيمة، ورؤية ثاقبة انتهجها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني منذ تسلمه مقاليد الحكم، فاتح أغسطس 2019.

فكانت بلادنا وما تزال صانعة الاستقرار في محيطها الإقليمي عبر سياسة متوازنة تسعى لإخماد بؤر التوتر، ونزع فتيل الأزمات، وترسيخ ركائز السلام والتنمية بدبلوماسية ديناميكية وفعالة انطلاقا من انتمائها للمغرب العربي ولإفريقيا، ممثلة استثناء في منطقة الساحل من ناحية القدرة على التكيف مع ظروف المنطقة الطارئة بشهادة المجتمع الدولي، لاعبة دورا محوريا يرتكز على ثنائية الأمن والتنمية؛ فكان نجاح بلادنا خلال تولي فخامته الرئاسة الدورية لمجموعة دول الساحل الخمس، محل إشادة وتثمين من قبل الشركاء.  

جاء ذلك إثر تبني بلادنا استراتيجية أمنية مندمجة ومتكاملة ما مكنها من العمل على استعادة الأمن والاستقرار في شبه المنطقة عبر مجموعة دول الساحل الخمس، فشاركت في قوات حفظ السلام الأممية في جمهورية إفريقيا الوسطى، واحتضنت مائة ألف أو يزيدون من أشقائنا الماليين اللاجئين بحكم الاضطرابات الأمنية، فضلا عن حصيلة مشرفة خلال تولي فخامة رئيس الجمهورية الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، كلها نجاحات جعلت أعناق المجتمع الدولي تشرئب لإبرام شراكات استراتيجية مع بلادنا، كان آخرها توقيع البنك الإفريقي للتنمية ثلاث اتفاقيات بقيمة 30 مليون دولار، موجهة بالكامل لدعم تنميتنا المستدامة. ما جعل رئيس الجمهورية يرسم خطة دبلوماسية فعالة ومحكمة للظفر برئاسة هذه المؤسسة النقدية -الهامة- مُشكلا لجنة وطنية عليا لإدارة حملة مرشح بلادنا، عَقدت لقاءات على أعلى مستوى، شملت رؤساء دول وحكومات، فضلا عن تنسيقها مع الوفود المشاركة في اجتماعات البنك الإفريقي للتنمية حشدا لتأييد مرشحنا، فكان له ما أراد.

 

ومما حسم التصويت -مبكرا- متابعة فخامته مختلف جولات التصويت، مُوسعا رقعة الداعمين بتنسيقات اللحظات الأخيرة، مُفاجئا المنافسين بحشد دعم قادة الدول العظمى لمرشح بلادنا.

ولا تخفى صعوبة استمالة البلدان التي صوتت ضد مرشحنا في جولتي التصويت الأولى، والثانية، بعيدا عن التعصب، لتؤول أصواتها في الجولة الثالثة لصالح مرشحنا، مانحة إياه الفوز بنسبة 76.18% من جميع الأصوات، و72.37% من الأصوات الإفريقية، لتتجسد أسمى معاني الدبلوماسية المرنة والمتزنة المتقبلة للرأي الآخر، والتي لولا اتصاف فخامته بها لما انتخبت بلادنا لأول مرة في تاريخها على هرم أرفع المؤسسات المالية في إفريقيا، لتتواصل كتابة التاريخ المشرق في هذا العهد الميمون بخطوات مُتئدة في سجل حافل بالانتصارات، مع حرص كبير على تعزيز حضور بلادنا في المحافل الدولية. 

 

لقد أبان فخامة رئيس الجمهورية بحصافته عن قدرته على إدراك غاياته بالدبلوماسية المتئدة فنال بذلك ما لا يدرك بحشد التمويل، وضخ الموارد لتغيير مجرى تاريخ قارة قرر صناع قرارها رد الجميل لفخامته،  في الوقت الذي لا تزال ألسنتهم رطبة من الثناء على ما تحقق لقارتهم خلال توليه رئاسة الاتحاد الإفريقي، مما يستوجب علينا كموريتانيين أن نعي جيدا أننا في عالم يشهد تصاعدا كبيرا للشعبوية، والدعوات الضيقة، وهو ما يُحتم علينا توجيه نقاشنا الوطني نحو قضايا جوهرية تُؤسس لمستقبل أفضل، بدلا من الانشغال بالمسائل الثانوية، في وقت لم يعد الاستقواء بالخارج لتحقيق مآرب شخصية ضيقة مقبولا، ولا مكان لأصحابه في سفينة البناء الوطني، موقنين بأن موريتانيا اليوم لم تعد بلدا فقيرا منسيا، إذا غاب لا ينتظر، وإذا حضر لا يستشار، بل أصبحت قُطب رحى السياسات الإفريقية والعالمية.

 

فلنركب بأمان ورعاية من الله سفينة بناء وطننا، الخادم لجميع أبنائه، المُحصن بالعلم، العاضِّ بالنواجذ على قيمه الإسلامية السمحة، الحامي لحوزته الترابية، المتصالح مع الجميع، المتمسك بدبلوماسيته المتئدة الرزينة والمتألقة في سماء عالم يطبعه التنابز والتدابر، في كنف أمن وأمان، تمهيدا لحوار شامل هُيئت الظروف المناسبة لإطلاقه، دون أن تُعكِّر صفو إفساح المجال لنقاشاته آجال انتخابية ضاغطة، ولا مأمورية منتهية، أو شرعية مشكك فيها، أو وضع داخلي مُتأزم، مُتسلحين بتسارع وتيرة "طموح فخامة رئيس الجمهورية للوطن"، والتي أثمرت برنامجا استعجاليا لتنمية مدينة نواكشوط، رُصدت له 50 مليار أوقية جديدة تنفيذا لمختلف مكوناته بوصفه بارقة أمل جديدة لسكان العاصمة، لما حمله في طياته من أمل بدأ يُغير واقع ومظهر المدينة، بعد تقدم أشغال تنفيذه، وانعكست نتائجه بشكل مبكر على المواطنين بصفة عامة في مجالات حيوية شملت، الصحة والتعليم والماء والكهرباء والصرف الصحي والبيئة وغير ذلك، برنامج تشاركي أُخذت فيه آراء العمد، لكونهم أدرى بحاجيات السكان وبالنواقص الموجودة في الخدمات على مستوى دوائرهم، وبدأ وبتعليمات مباشرة من فخامته تنفيذ مكونات البرنامج الاستعجالي لتعميم النفاذ إلى الخدمات الضرورية للتنمية المحلية، بعد أن رُصدت له هو الآخر 260 مليار أوقية قديمة، استجابة لمطالب المواطنين خلال جولات فخامة رئيس الجمهورية الداخلية.

 

كما أن إطلاق "برنامج تعمير مدن التآزر"، وتدشين مقر جديد للمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، بقدرة استيعابية تصل 720 طالبا، ومركز للبيانات هو الأول من نوعه في الوطن، معتمد وفق أعلى المعايير الدولية، لتخزين ومعالجة وحماية البيانات السيادية، سيوفر خدمات رقمية مؤمنة للمؤسسات العمومية والخاصة.

 

وقد شُيد في هذا العهد -الميمون- صرح علمي جديد؛ تمثل في المعهد العالي للرقمنة، الذي يحوي ضمن فضائه الرحب مدرجات ثلاثة تسع أزيد من 450 طالبا. ووسعت البنية التحتية للعاصمة، ودخلت 3 جسور جديدة الخدمة، وأُطلقت بنجاح المرحلة الأولى من مشروع حركية نواكشوط في أفق 2026، وتعزز أسطول شركة النقل العمومي باقتناء 162 حافلة عصرية جديدة، ودخلنا نادي الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم بتدشين مشروع "آحميم الكبير"، والذي يعد أكبر مشاريع الغاز في غرب إفريقيا، بإنتاج يصل نحو 2.4 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا.

 

يضاف لما تقدم حصيلة مشرفة لمأمورية فخامة رئيس الجمهورية الأولى، حيث وفى قبل انقضائها بجُلِّ "تعهداته"، واضعا قطار بناء وطننا الحبيب على سكة النماء، فتمت صيانة المال العام، ووُجه لخدمة المواطنين خصوصا الفئات المتعففة منهم، لتتواصل مسيرة البناء والتطوير، ما مكن من إرساء دعائم جسر العبور الآمن ببلدنا إلى مستقبل أفضل من خلال ما تم تحقيقه من إنجازات لمس المواطن أثرها الإيجابي في حياته اليومية على مختلف الأصعدة، أمنا واستقرارا، وصونا للوحدة الوطنية، وتهدئة للحياة السياسية، ومكافحة للفقر والغبن والإقصاء، ودعما للفئات الهشة، وتحسينا للنفاذ إلى الخدمات الأساسية، وترسيخا لمدرسة جمهورية، وتعزيزا للبنى التحتية، وعملا على تنويع الاقتصاد، ودعما للقطاعات الإنتاجية، وتأسيسا لتنمية مستدامة.

كل هذا جسد دليلا ساطعا على عمق الإصلاح، وقرينة قاطعة على سعي فخامته -الحثيث- إلى بناء دولة قوية، متطورة، ينعم فيها كل المواطنين بأعلى مستويات الأمن والرفاهية.

وتعزيزا للمكتسبات السالفة رَسّخ فخامته دعائم الدولة التي نطمح لها، دولة القانون والأمن والتنمية، فتصدرنا المحافل الدولية، حين تميزت رئاسة بلادنا للاتحاد الإفريقي، مكللة برئاسة أحد مواطنينا للبنك الإفريقي للتنمية. فانتقلت الجمهورية الإسلامية الموريتانية خلال ست حجج من حكم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من مرحلة استعادة تماسك مؤسسات الدولة في الداخل إلى مرحلة فرض هيبتها الخارجية، فهل يغتنم سياسيونا هذه الفرصة التاريخية بتلبية دعوة فخامة رئيس الجمهورية لحوار شامل، يُكرس مفاهيم الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية والحكامة الرشيدة؟ فيحفظ بيضتنا ويجعلنا على قدر المسؤولية، وهذا ما نتوق إليه.