على مدار الساعة

الحبل المعقود بين سورية وفلسطين

28 مايو, 2025 - 01:20
بقلم: عز الدين مصطفى جلولي - كاتب وأستاذ جامعي جزائري

من اللازم على الكتاب الشرفاء رفع الصوت عاليا أمام أي حاكم عربي تحذيرا له من مغبة الاقتراب من الخطوط الحمر كلما لاح في الأفق ضلال، خاصة ممن يرتدي مسوح الإيمان ويوحي للناس بأنه يريد الإصلاح في أمته، وليست سورية الجديدة وحدها المعنية بهذا، رغم قرب عهدها بالحكم، ولكن هنالك عتاة كبارا يسعون بمال الأمة إلى الهلاك وبشرفها إلى الانتهاك، من الواجب الصراخ في وجوههم بكل قوة.

 

الرهان السوري

هل كان الأفغان مؤهلين في حروبهم ضد الإمبراطوريات الثلاث؟ ولمن كانت الغلبة؟ إنه لا مبرر للكيان المجرم كي يعتدي أكثر من النفس الإسلامي للحكومة السورية الجديدة، لكنه لم يفعلها ويغتال الشرع؟ الجواب ليس في ما سيحدث لو أنه فعل، فما يتوقعه بعضنا لم يحدث حتى لفلسطين وهي الأولى بالزحف، بل لأن الأجل يحول دون الرجل. أما تحرك الأتراك فيما لو قتل الصهاينة الرئيس السوري لا سمح الله، فمعروف أنهم إن هم تحركوا فلا يتحركون إلا بأسطول حرية أعزل، ستقصفه طائرات العدو في مرابضه وما من أحد سيمنعه.

 

من السابق لأوانه الحكم على الرجل وجماعته الحاكمة في سورية اليوم، وليس صعبا معرفة أين يقف الرجل من قضايا الأمة ومغزى إيحاءاته للعالم الغربي، هنالك المصلحة الشرعية في ثقافة هؤلاء وهي تختلف كليا عن "الانتهازية" التي يصفه البعض بها. وليس "باترك سيل" من يدلنا على تاريخ المنطقة ولا على طبيعة الصراع فيها، لننظر في مرآة قلوبنا كي نرى الحقيقة كاملة غير منقوصة.

 

ما أكثر الوثائق لدى الإخوة الأكراد وما وأسع تشكيلاتهم! حتى إن العقول المتابعة لشؤونهم لتنوء بحفظها والتمييز بينها. وعبثا يحاول من يدعي تمثيل قومه أن يتجاوز حقيقة البنية الثقافية والاجتماعية لأهالي المنطقة، والتي أشار إليها عبد الله أوجلان بشجاعة في بيانه الأخير، وإن كان ما قاله تحصيل حاصل تأخر التصريح به طويلا. على أن البكائية من بعض الساسة على حقوق المكونات الصغيرة كان وما يزال مدعاة للمطالبة بنظام حكم يلغي حق الأغلبية المسلمة، التي ينضوي فيها كل من آمن بالله وبرسوله بغض الطرف عن أصوله وثقافته. بل ويجعل من تجزئ القضايا، ومنها قضية المكون الكردي المسلم، مبررا ليتحالف مع القوى الإمبريالية من دون أن يشعر بجسامة ما يصنع، وينكر على غيره فعلها. وتلكم مفارقات تعيب الأطروحات النابية عن نسيج المنطقة المتناسق عبر التاريخ.

 

الملاحظ على السلوك الذي تتبعه المؤسسات الأمنية في سورية حينما تقبض على مجرم حرب أو متلبس بذنب آخر لا جدال فيه أحيانا، فجرمه لا يسوغ للأمن التنكيل به ما لم يقاوم إلقاء القبض عليه، خاصة وأن مصيره المحتوم معلوم. لكن في ما تفعله بعض هذه الجهات متفهم لأن تشكيل الدولة ما يزال في بداياته، ومن غير المنطقي مطالبتها بتوخي أقصى معايير القبض على المجرمين وهي لا تمتلك دستورا مستقرا بعد. ولكن في بعض ما يقوله الناس توجيه لطيف في المضي قدما نحو إصلاح ذلك خفافا.

 

التشابه بين الاسمين والموقعين (ماهر الأسد وماهر الشرع في قربهما من الرئيس) وربط ذلك بالتشابه بين السلوكين وهم محض، ومجاراة الأوهام تردي إلى التفاهة الرائجة في عالم الانترنيت. بمعنى أن كل هذا اللغط سيتلاشى فور تغيير هذا الماهر بآخر لا يتقاطع شكليا مع المجرم، المهم هو الجوهر والأداء. عمر بن عبد العزيز كان أمويا نسبا، ولكنه كان راشديا فعلا. فلندع مجالا للرجال كي تري الله والرسول وسائر المؤمنين من نفسها ما هي فاعلة.

 

سيجد المتصفح كل ما هب ودب على المنصات التواصل في سورية اليوم، فلا يكن كحاطب ليل. بناة الدولة لا ينشغلون بهذه السفاسف لأن ما هم فيه أهم وأولى. وعلى المؤسسات المشرفة على هذه المنصات وضع "منخل نزيه"، يبيح ما فيه نقد بناء، ولا يسمح بانتشار القيل والقال.

 

مساكين أولئك الذين كرسوا حياتهم بـ"إخلاص" ساذج لخدمة هذا الصنف من الحكام ولم يأخذوا العبرة من مصير أمثالهم في بلاد كثيرة. وبتكشف فصول جديدة من رواية "الزعيم" الخالد فعلا بشار الأسد، تتساقط القيمة الفكرية والأخلاقية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي نفخ في هذا الصنم دهرا حتى انقطعت أنفاسه، وما يزال بعض أتباعه يمني النفس إلى يومنا هذا بعودة البعثية ولو بإهاب جديد!

 

سن القوانين الرادعة للدعاية المغرضة وجر المخالفين إلى المحاكم علاج لاحق عن الوقاية منها؛ إن في مضامين التنشئة التربوية والتوعية الإعلامية خير وقاية للناس من مضار هذا السلوك المشين وما يترتب عليه من عواقب. كما أن مواجهة مصادر الدعاية المضرة بالأمن القومي تتطلب من السلطة حربا معاكسة، تشغل المعتدين بأنفسهم عنا، وخير طريقة للدفاع الهجوم كما يقولون.

 

والقبلة فلسطين

قضية المشرق أعقد من أن تستوعبها الإدارة الأمريكية، وليست آليات تفكيكها عبر منطق القوة بنافع لهم محال ذلك. تصعيد الأباة الحوثيين بمحاصرة العدو جوا كما بحرا نقلة ممتازة للغاية، ولا يكلف النشامى أكثر من التهديد بها ولو بقي زخم القصف بالمستوى الذي بلغه. وإن عودة اليمنيين حيث يقع العدوان الصهيو- أمريكي إلى نمط العيش البدائي أفضل سلاح للحاضنة الشعبية، وأدعى ليأس الغزاة وأذنابهم التابعين من النصر في هذه المعمعة الخائبة.

 

حكومة السيسي ستنهار إذا حاول الأمريكان الضغط عليها أكثر لقبول ما يريدونه في المنطقة، وعامل الزمن يصب في مصلحة المقاومة ما دام أهلنا في فلسطين عاضين على جراحهم بالملح. المهم ألا يستسلم المرابطون، أعني المقاومين وأهاليهم. إن من يعمل تحت الضغط هم الصهاينة والأمريكان، فأعمار حكوماتهم أقصر من عمر الزهور. هذا، وإن للمستورثين الجدد في غزة وما حولها أيام قادمة ستشخص فيها الأبصار إن شاء الله تعالى!

 

منطق المقاومة له طعم ورائحة ولون يختلف كليا عن منطق الخنوع والتطبيع، ولو كان هذا الأخير يجري لهدف معسول إقامة وطن آمن ديموقراطي، وأنى له أن يكون آمنا وهو بفم التمساح؟ وماذا لو طلب إلى الكيان المحتل أن ينزع سلاحه لقاء ضمانات فلسطينية وعربية ودولية بأن يعيش سالما منعما، فهل تراه سيقبل؟ التجارب التي تساق عن إيرلندا الشمالية وجنوب إفريقيا تجارب لها بيئتها وثقافتها وسياقها، ولأوكرانيا تجربة مختلفة ومريرة، بعد أن نزعت سلاحها النووي وسلمته لغريمتها روسيا بمظلة أمريكية مقابل استقلال تام، فهل سلمت أوكرانيا من الغزو بعد سنوات حتى إن وجودها بات مهددا؟ يبقى التصور خصيبا في ما لو تلاشت ورقة الأسرى التي بيد المقاومة بصورة أو بأخرى من دون أن تحصل حماس على ما تريد.

 

الصهاينة لا تنفع معهم اللقاءات والمواجهة والتحدي فكريا، الهجران وسيلة تعبير خاصة بنا في قضية مشحونة بالكامل كالقضية الفلسطينية، ولست أدري لم لا يذهب هؤلاء اللطفاء إلى القول بأن على كل من وجد نفسه قبالة صهيوني أن يغلظ له القول ويطرده؟ إنه أقل واجب يمكن فعله مع هؤلاء السفلة.

 

المارد الحقيقي من بين كل هؤلاء الفاعلين يتربص ويتحين الفرصة ليفرض وجوده على الأطراف كافة، أعني به الشعوب المسلمة التي تتشوف إلى قيادة حكيمة من طينتها أو من ضمن هؤلاء تتخير أحسنهم لتعيد صياغة أوضاعها وفق قناعاتها ومصالحها. أما غيرهم، فزوار ليل أو ساعة من نهار، وبعضهم ثقيل الظل وتترصده ثارات.