على مدار الساعة

المشكل العقاري.. الصفيح الساخن

23 مايو, 2025 - 08:54
باب إبراهيم

تعتبر المشاكل العقارية اليوم في وطننا من أخطر المشاكل، وأكثرها حساسية، وأخطرها على السكينة العامة، والتماسك المجتمعي، حيث لم يعد هناك يوم يمر دون الحديث عن نزاع عقاري هنا وآخر هناك، وفي الغالب يكون بين ضعاف عمروها لعقود ونافذين يريدون من خلال سيف السلطة إخراجهم من تلك الأرض بالقوة، واستظهارههم بأوراق لملكيتها، وفي أحيان كثيرة تكون تلك الأوراق حديثة، هذا فضلا عن احتلال الساحات العمومية، والسطو على احتياط الدولة العقاري، بهدف خلق ثروة خيالية في وقت قياسي.

 

إن غياب الدولة أو حضورها غير الموفق في موضوع توفير السكن للمواطنين، وخلق مدن عصرية، وانعدام مقاربة جدية في المجال العقاري عموما تستهدف إلى جانب السكن التوزيع العادل للأراضي الزراعية، والصناعية، بشكل يخدم سياسة اجتماعية واقتصادية وتنموية مفيدة، وناجعة، جعل ركيزة اقتصادية واجتماعية مهمة تعيش فوضى، ونهبا غير مسبوق كالذي يعيشه القطاع العقاري اليوم.

 

إن حل المشاكل العقارية في العاصمة، وباقي الأراضي الوطنية يبدأ بوقف نزيف الاحتياط العقاري للمدن، من خلال منع الاستيلاء عليه بغير وجه حق من طرف نافذين، ومنع استخدام القطاع العقاري كمكب للمال القذر، من أجل تبييضه، أو خلق ثروة وهمية على حساب مجتمع بأكمله، فهل يعقل أن يكون عقار نواكشوط وهو أرض جرداء ثمنه ضعف سكن بأهم العواصم الأوروبية، وأفضل مدن العالم، وبدون سبب وجيه؟، ليس ذلك لحداثة نواكشوط، ولا لكثرة زوارها من مختلف العالم، أو كونها مركزا اقتصاديا، وإنما لسبب وحيد هو استثمار الأموال القذرة في القطاع العقاري.

 

وفي أي مدن العالم خصوصا تلك التي تعتبر مجرد قرى كبيرة، وتعاني من العشوائية، وأزمة سكن حادة، تغيب مشاريع ومقاولات تسهل الحصول على السكن من خلال الإيجار قصير الأمد، وبعيد الأمد، وحساب السكن..، وغير ذلك من المبادرات التي تساهم بشكل فعال في حل مشاكل السكن، وتحويل القرى لمدن حضرية، بمظهر محترم، ونمط معماري مقبول. 

 

إن اختصار التدخل في المجال العقاري لصالح طرف واحد..، والتحرك من منطق مختل، والنظر من زاوية عوراء أمر مشين، ولن يفيد في حل الأزمة العقارية الموجودة، فليس للمواطن البسيط من الإمكانيات ما يمكنه من اختراق حواجز الإدارة الفاسدة حتى يتمكن من الحصول على الأوراق، والإدارة التي تستخدم القوة العمومية لطرد مواطن بسيط هنا وآخر هناك هي نفسها من ترفض تسوية أوضاع أغلب المشاكل العقارية، وهو ما يجعل عقار المساكين عرضة في أي وقت لسطوة أي نافذ، حيث يعد الأوراق على عجل، ويأتي ليخرج بعض المساكين من أرضهم حتى وإن سبق إعمارهم لتلك الأرض تاريخ ميلاده!.

 

والمسؤول الذي يستسهل ظلم الضعفاء، ومطاردتهم؛ عليه أن يستحضر دائما أن القوة هي قوة الشعب، والمجتمع، والغرور والركون للقوة المنظمة فقط هو الذي كان أصل الكارثة على الكثير من الأنظمة. لذلك يجب التركيز على قوة الحق، التي تنبع من روح العدالة، وتتيمن مصالح المجتمع، وليس من أروقة الإدارة الفاسدة، "أوراق، أوامر إخلاء..".

 

لقد أصبح لزاما على الدولة التحرك على عجل، وأن لا تقبل أن يكون تحرك أذرع هذه الوزارة أو تلك هو فقط من أجل جمع القطع الأرضية، "القطع البيضاء"، لخلق ثروة فاسدة لدى أحد المسؤولين وسماسرته، أو تمليك مزيد من الأراضي لسمسار عقار يبني امبراطوريات مالية على حساب مصالح مجتمع بأكلمه، وإنما يجب أن يكون عنوان سياستها في المجال العقاري هو إنصاف البسطاء، وحل مشكل السكن، وسد الباب أمام لصوص القطاع العقاري.

 

في دول الجوار وأغلب دول العالم يوجد منعشون عقاريون، وشركات تستثمر في المجال العقاري وفق القوانين والنظم، وخدمة للمجتمع، حيث تمنح الأرض بشكل مؤقت، وبسعر رمزي، من أجل إعمارها، وتحويلها إلى سكن يمكن للمواطن البسيط تملكه بالأقساط، وهي عملية يسير نفعها في كل اتجاه، حيث يأخذ المنعش نصيبه من الربح، والشركات العقارية، والبنوك التي من المفروض أن تكون طرفا في مثل هذه العمليات، ويظل الرابح الأكبر الدولة والمجتمع، من خلال توفير السكن لشريحة عريضة من المجتمع، فضلا عن تنمية المدن.

 

على السلطة اليوم انتهاج سياسة واضحة وأمينة، تخفف أعباء السكن على جميع المواطنين، خصوصا بالمدن الكبرى، من خلال منعشين عقاريين، يكون التعاقد معهم على أسس قانونية واضحة، على غرار تجارب بعض دول الجوار، حيث ساهم ذلك في تطوير المدن، والحد من مشاكل السكن، والتحكم بالأسعار الخيالية للسكن، وخلق أكثر من طريق لحصول المواطن على سكن لائق، وبطرق تأخذ بعين الاعتبار الحاجة والوضع الاقتصادي لغالبية المواطنين.