على مدار الساعة

صداع المغاربة المزمن

21 مايو, 2025 - 19:53
بقلم: عز الدين مصطفى جلولي - كاتب وأستاذ جامعي جزائري

الداخل وتناقضاته

استطلاعات الرأي تعطي المسؤولين مؤشرات واقعية على جدوى التوجهات السياسية، إنها من آليات الشورى التي أمرنا الله تعالى بها، وتنعم باستخدامها أنظمة غربية كثيرة، فلماذا تستنكف السلطات المغاربية عن اعتمادها لمعرفة هل دولنا تسير في الاتجاه الصحيح أم أنها في الاتجاه الخاطئ؟

 

بعد أن تحقق الاستقلال كخطوة جبارة قامت بها الثورة التحريرية في الجزائر قبل سبعين عاما، لا تزال السلطة في هذا البلد تعيش في الزمن لا عبره. أي أنها لا تزال تقف أمام هذا المنجز لا تبرحه وكأنه لا يوجد غيره، ومن كان يعيش عبر الزمن سيجد من المفيد له ولشعبه الوقوف على منجزات أخر خلال هذه الفترة التي بدأت تناطح القرن من الزمان. أما الوقوف ساعة بليل أمام نصب تذكارية من دون الوقوف على مراجعة شاملة لما أنجزته الثورة التحريرية في "إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية"، كما ورد في بيان الفاتح من نوفمبر 54 _ فلا أثر له؛ ما يعني أننا حيال احتفال شكلي لا يفيد الأمة بأي حال من الأحوال.

 

الولاية والإمارة وجهان لورقة واحد، ولا فائدة من الفصل بينهما، والإمارة أحوج إلى الولاية من حاجة الولاية إليها، فلذلك انزوى الأولياء إلى البوادي زهدا وتركوا شؤون الولاية لمن يكفيهم صداعها، كما أنه لا توجد في تاريخنا هذه الازدواجية التي توحي إلى القسمة الضيزى بين الله والقيصر. مع التنبيه إلى أن ما انبنى من عمران في المغرب الكبير كان مدينا للاتحاد والجهاد لا العكس كما يذهب بعض من يؤمن بماركس. وتلكم مزية مغاربية حبذا لو تحتذى مجددا للم الشمل بين أقطارنا الخمسة بحول الله وتوفيقه.

 

الفتنة المغاربية

تستثمر الإمبريالية في بؤر النزاع بيننا ما لا تتفطن إليه الأطراف الفاعلة لدينا. ما قاله عبد الحميد مهري وخالد نزار- مع شساعة القدر بينهما وقد كانا من صناع القرار السياسي الجزائري خاصة الثاني منهما - يمكن البناء عليه في هذه المسألة. وماذا عليها لو طالبت جبهة البوليزاريو المغرب والجزائر بالوحدة بينهما شرطا لتندمج فيهما؟ ثم إن الصحراء المغاربية ليست مشكلة مستعصية، مقارنة بتركة الاستعمار الفرنسي في شمال إفريقية ككل، والتي أصبحت معضلة حقيقية لشعوب المنطقة. فها هي الدول "المستقلة" في شماله قد أفلست أخلاقيا، تتدافع نحو حروب عبثية قد تغير الخرائط الجيوسياسية نتائجها الكارثية.

 

الوضع المتوازن في القضايا الحساسة أقل الضررين من الوضع اللا متوازن. واللعب على المغالبة قد يؤدي إلى المجهول، وهو ما تسعى الدول الإمبريالية إلى توريط الشقيقتين فيه، من أجل تلبية أطماع استعمارية معلومة. إذن بقيت للجزائر الصين كبيضة قبان في مجلس الأمن، وليس شراء الذمم الدولية بالمال أحسن خيار للجزائر في هذه المسألة، لو أن صانعي السياسة الفعليين فيها سألوا أهل الذكر إن كانوا لا يعلمون.

 

قضية الصحراء المغاربية لها مقاربتان من زاويتين مختلفتين، الأمم المتحدة في واد، والأمة الإسلامية في واد غيره. والأخطر في الموضوع أننا مقبلون على انقلابات عالمية لا تعرف شرعة واحدة يمكن أن تتحاكم إليها الأطراف، سوى شرعة الغالب والمغلوب، والصحراء الكبرى حبلى بالتغيرات العظمى في قابل الأعوام. ولله الأمر على خلائقه من قبل ومن بعد.

 

بعض التحاليل السياسية يشبه التنجيم، ولم يأت كثير منها على ذكر المملكة المغربية ومصلحتها في تأجيج الصراع في منطقة الساحل والصحراء، ولم يتحدثوا عمن سيدفع كلفة الصراع سلفا؟ وما دور الإمارات المقبل في هذا الصراع؟ ولا "الناتو" في مواجهة النفوذ الروسي؟ كما أنهم لم يلحظوا مصلحة الصهاينة في الانتقام من الموقف الجزائري الداعم ولو ديبلوماسيا لغزة.

 

لا تزال آثار العمارة الأندلسية الراقية يحتفظ بها الإسبان لنا، لست أدري لم لا يستلهم المغاربة من روحها طيفا يعيدون به صياغة الوعي والإنسان والعمران. فيعيشون في حاضرة بالمواصفات الإسلامية كأنها بادية، وبادية كأنها حاضرة، هي المستقبل الواعد لأهلنا في كل إفريقية الشمالية؟

 

بين الواجب والتبعية

كيف تفرض على الحلفاء أن يحترموك هو أساس العلاقات الدبلوماسية وليست المصالح الاقتصادية والجيوسياسية، والتي سيربح فيها من كان أقوى غالبا. الجزائر بأيديولوجية حكامها المزدوجة "الفرونكو - شيوعية"، تلعب على الحبلين، من دون أن تنتبه يوما إلى سلامة الحبال، وتلكم نقيصة في وعي القادة الجزائريين على الدوام. المسيّرة التي أسقطت بعد أن اخترقت المجال الجوي بالجنوب الجزائري من صناعة تركية، وتوريد هذه الأسلحة يتطلب شروطا يفرضها البائع يجب الوفاء بها، فلربما كان مفتاح الحل في أزمة الجزائر مع مالي بيد الأتراك كما هو بيد الروس؟

 

فرنسا التي استدمرتنا هي من كانت تمدنا بالطحين الذي نصنع به الطعام ونحن الذين كنا نورد إليها الغذاء غداة الاحتلال ولما تسدد الديون التي كانت عليها، ثم بماذا استبدلناها؟ بالإسبان، الغزاة القدامى، وبالروس، الذين ما أجدت مكانتنا المزعومة عندهم وقد كنا نطمع أن يدخلونا نادي "البريكس"؟ وكيف بنا لو أن أوكرانيا والناتو أغلقوا المضايق عليها ولم يسمحوا للسفن المحملة بالمؤونة بالعبور إلينا؟

 

استعمال لفظة "الصدكا" يحمل معنى عنصريا اتجاه الأفارقة المتسولين في الشوارع الجزائرية. مع لحاظ أن "القوة الضاربة" عجزت عن صد موجات الهجرة الإفريقية إلى الجزائر فكيف بـ"الإرهاب"؟ ليس الحل في الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لهؤلاء المهاجرة، لأن الأول عبر مؤسسات التكوين غير فاعل، ودليله أن الشباب العاطل في الجزائر يتخرج منها ضعيفا ولا يجد عملا فيضطر للهجرة نحو الغرب، والاجتماعي باب لمشكلة قد يستعصي حلها مستقبلا... بقيت الإشارة إلى الحلول الاستراتيجية التي لا يلتفت إليها النظام الجزائري القائم على تهميش الإسلام من السياسة والحكم؛ فـ"الفتح" المعنوي خير من ذلك كله، وإفريقية السمراء دانت بالولاء لدول مسلمة في الشمال بفضل المعاملة والمؤاخاة، التي تهب الدول مجالا حيويا لا ينال بالبأس والمال.

 

أزمة بين دولتين كفرنسا والجزائر تحل عبر مكالمة هاتفية ليست أزمة عميقة، العلاقة بين الطرفين كالعلاقة بين عجوز وكنتها، يختلفان لكن لا مناص من العيش في بيت واحد. ثم إن النظام الجزائري ربي في كنف السياسة الفرنسية، وليس صحيحا الادعاء بأن النظام الفرنسي لا يستطيع فك شيفرة النظام الجزائري، هذه "بروباغندا" يراد لها أن تصل إلى الشعب البسيط ليستهلكها، أما ما لا يراد له أن يعرفه فكثير وخطير.

 

دعم المجاهدين في غزة ميسور أمره للجزائريين والحمد لله، ولا تترتب عليه ملاحقات كالتي توجد في بعض الدول الأخرى. يتم ذلك بإرسال ما تيسر من مال عبر جمعيات عرفت بخيريتها، لها حسابات بريدية وبنكية متاحة أرقامها على منصات التواصل الاجتماعية.

 

إن أفضل طريقة، كحد أدنى يرفع حرج التقصير عن عموم الناس، أن يقتصوا مبلغا بسيطا كل شهر لا يؤثر على ميزانياتهم ولا تتحس النفس ثقله عليها، كما كانت تصنع الثورة التحريرية في جمع الاشتراكات من الشعب الجزائري دوريا. واجب آخر ميسور يؤدى شفهيا أو عبر المنصات، بالوقوف أمام المثبطين والخانعين وأزلام الصهيونية في كل مكان بحزم، والنيل منهم حتى يتوبوا إلى الله ويلتحقوا بسبيل المؤمنين. ويترافق ذلك كله مع دعاء يومي يخصصه المسلم نصرة لأهلنا المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.