على مدار الساعة

من خطاب الأقليات إلى ثقافة المواطنة الحلقة (2): التحذير من منحدر الفرقة

19 مايو, 2025 - 20:07
بقلم: بونا ولد الحسن – محام

"كلما قررت مغادرة هذا الفضاء، أجد داعيًا للكتابة".

 

ولعل من أهم ما يدفع إلى الكتابة اليوم هو تصاعد نغمة الفرقة، وتسرب مفردات الانقسام إلى بعض الخطابات العامة، حتى باتت تهدد بنقض ما ظل يشكّل لبّ المشروع الوطني الموريتاني: الوحدة في التنوع، والتكامل بين المكونات، لا التصادم بينها.

 

لقد عرفت بلادنا، عبر تاريخها، تباينًا ثقافيًا ولغويًا، لكنها في ذات الوقت عرفت من الوفاق والتعايش ما جعل هذا التعدد مصدر قوة، لا شرخًا. لم تكن "الوحدة الوطنية" يومًا شعارًا يُرفع لمجرد الزينة، بل كانت وما زالت أساسًا للاستقرار والشرعية، وروحًا تسكن في كل بيت موريتاني، مهما اختلفت الألسن أو الألوان.

 

إن ما نُحذر منه اليوم، هو أن تتحول المطالب المحقة، بفعل خطاب غير رصين، إلى أدوات تفريق، وأن تنزلق بعض الأصوات إلى لغة الاستقطاب العرقي والجهوي، وكأننا نبدأ من الصفر، لا من رصيد طويل من العيش المشترك، والمقاومة المشتركة، والبناء المشترك.

 

نحن نؤمن أن المطالبة بالحقوق واجبة، بل هي شرط من شروط الكرامة، لكن الطريق إليها لا يمر عبر تصنيف الناس وتوسيع الشقوق في جدار المجتمع، بل عبر بناء دولة عادلة، تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتمنح كل مواطن حقوقه دون وساطة انتماء أو حصة أو مكون.

 

ما نحتاجه اليوم، وبإلحاح، ليس إعادة النظر في وحدة موريتانيا، بل إعادة ترتيب أولوياتنا الفكرية، ووضع اليد على المطلوب: العدالة الاجتماعية، التنمية المتوازنة، وتوسيع دائرة الفرص أمام الشباب، وهي مشاكل لا تُحل بتمزيق الخطاب الوطني، بل بإصلاحات مؤسسية تنبع من وجدان مشترك لا من أجندات مشتتة.

 

إن رياح الفتنة، حين تهب، لا تفرّق بين من أشعلها ومن وقف على الحياد. وإذا سمحنا، ولو بصمتنا، لخطاب الانقسام أن ينتشر، فسنخسر جميعًا. فلا بقاء لدولة تنهار روابطها، ولا معنى للحقوق إن لم تحمِها وحدة وطنية راسخة، وهذا دور النخب قبل أن يكون دور السلطات الحاكمة.

 

وعليه، فإن التصدي لدعوات الفرقة ليس خيارًا سياسيًا فحسب، بل هو واجب وطني وأخلاقي. وعلى النخب أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا السياق، بالكلمة، والموقف، والسلوك، وأن تقف سدًا منيعًا أمام كل خطاب يُفرّق بين أبناء الوطن الواحد.

 

فلنُدرك، قبل فوات الأوان، أن الحفاظ على موريتانيا كدولة موحدة، لا يُضاهيه أي مكسب آخر. وأن التحديات التي نواجهها، مهما عظُمت، لا تُقارَن بالكارثة التي قد يُفضي إليها انزلاق الوطن نحو انقسام لا يُبقي ولا يذر.

 

نختلف، نعم؛ ننتقد، نعم؛ لكننا نلتقي دائمًا في حماية المصالح العليا.