على مدار الساعة

الأمن الغذائي في موريتانيا والتغيرات المناخية

18 مايو, 2025 - 01:34
محمد عينين أحمد - رئيس الجمعية الموريتانية للسلامة والصحة المهنية والمحافظة على البيئة

يواجه كوكبنا الكثير من التحديات الحرجة، ومن بين كل ما يشهده عالمنا وكل التقدم الذي تم إحرازه في القضايا العالمية، ما يزال هناك الكثير الذي يتعين علينا القيام به نحو تحديات تغيرات المناخ. ولتحقيق التوازن الأمثل والتغلب على مثل هذه التحديات لا بد من وجود دعم وتعاون دولي قوي.

 

تشكل قضية التغير المناخي تهديداً خطيراً على الأمن الغذائي العالمي والتنمية المستدامة وجهود القضاء على الفقر، إذ إنها تُعد القضية الحاسمة في عصرنا، حيث نعيش تحولاً في أنماط الطقس يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر؛ ما يزيد من أخطار الفيضانات الكارثية التي تهدد بدورها إنتاج الغذاء في عالمنا.

 

من المتوقع أن ترتفع من 2.6 درجة مئوية إلى 4.8 درجة مئوية بحلول عام 2100، خاصة في ظل ارتفاع درجة حرارة المحيطات، وتناقص كمية الثلوج والجليد وانخفاض مستوى سطح البحر، ووجود المزيد من الموجات الحارة، وذوبان الجليد في القطب الشمالي.

 

تتعدد التداعيات الناتجة عن قضية التغير المناخي، وأبرزها تلك المتعلقة بالمحاصيل الزراعية، وقد شهدنا في أكتوبر 2024، حجم الخسائر الذي تعرضت له المحاصيل الزراعية بسبب التغيرات المناخية التي أدت إلى فيضانات وبالتالي جرف المزارع؛ قد يؤدي ذلك إلى انخفاض المعروض من هذه المحاصيل ومن ثم ارتفاعها أسعارها بشكل كبير. وقد لا تقتصر هذه الآثار على المحاصيل الزراعية فقط، بل إن صيد الأسماك في المناطق المدارية قد ينخفض ما بين 40 إلى 60 بالمئة حسب أحد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية التي يواجهها العالم.

 

نُحاول في هذا المقال رصد تداعيات التغير المناخي على العالم وعلى بلدنا من خلال الإجابة على ثلاثة أسئلة رئيسية:

- ما هي أسس الأمن الغذائي؟

- وما هي تداعيات التغير المناخي على إنتاج الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي؟

- وما هي الإرشادات اللازمة لنقص تلك التداعيات؟

 

يُقاسُ الأمن الغذائي أولا بمدى توفر الغذاء الكافي، أي القدرة الكلية للأنظمة الزراعية على تلبية الطلب على الغذاء. وتشمل إنتاج المحاصيل والمراعي.

 

ويُقاس أيضا بمدى قدرة الأفراد على الوصول إلى الموارد الكافية للحصول على أغذية مناسبة لنظام غذائي. وتكون في مستوي القوة الشرائية للمستهلكين وبأسعار مُناسبة.

 

تعتبر تغيرات المناخ أحد أهم الأسباب لعدم الاستقرار التي تحد من القدرة على الوصول إلى الغذاء، حيث تشير التقارير إلى ازدياد عدد الجياع في العالم خلال السنوات القليلة الماضية، وقدر بعضها عدد الأشخاص الذين يعانون الجوع بنحو 800 مليون شخص حول العالم، وأشارت تقارير متخصصة إلى أن 1 من كل 9 أشخاص يعاني الجوع يومياً ونقص التغذية نتيجة لذلك. والمشكلة هنا ليست أننا لا ننتج ما يكفي من الغذاء، فهناك عدة ملايين من المزارعين حول العالم، وهناك أيضاً زيادة في إنتاج السعرات الحرارية اللازمة لإطعام الجميع في العالم بمقدار الثلث، وإنما المشكلة هي افتقاد الناس القدرة على الوصول إلى الغذاء، بل تعود إلى ارتفاع أسعار الغذاء.

 

في بلدنا، وبالتحديد في الثاني من هذا الشهر، قال وزير الاقتصاد والمالية، إن البلد سيواجه خلال فترة الصيف في 2025 "وضعاً قد يعرض نحو 600 ألف شخص لخطر انعدام الأمن الغذائي، كما أن أكثر من 1.2 مليون شخص يعيشون في حالة هشة تتطلب دعمًا عاجلاً لمنع تفاقم الأزمة. تؤثر تغيرات المناخ التي تتضمن مظاهر عديدة، من بينها التغير في معدلات سقوط الأمطار والتغير في ظهور وانتشار الأمراض والآفات الزراعية وغيرها، سلبياً على الركائز الأربع للأمن الغذائي؛ ما يؤثر عموماً على قضية الأمن الغذائي.

 

فيما يتعلق بتداعيات التغير المناخي على الأمن الغذائي فإن تأثير الفيضانات وارتفاع درجات الحرارة على الإمدادات الغذائية، واضح جدا، هنا نستشهد بأرقام منظمة أوكسفام الخيرية والمعنية بمكافحة الفقر عالمياً، في تقرير أعدته لدراسة الآثار المحتملة لتغيرات المناخ على أسعار السلع الغذائية بحلول عام 2030، إلى أن أسعار محاصيل الذرة ستزيد بنسبة 177% والقمح بنسبة 120%، والأرز بنسبة 117%، آخذين في الاعتبار نسب التضخم. وفي دراسة أخرى، توقعت النماذج العالمية للمحاصيل والنماذج الاقتصادية زيادة بنسبة 1 – 29% في أسعار الحبوب في عام 2050 بسبب تغير المناخ؛ ما سيؤثر على المستهلكين على مستوى العالم من خلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

 

إن استمرار انبعاثات الغازات الدفيئة يؤدي إلى تغيرات في درجة الحرارة وهطول الأمطار، وبالتالي سيكون له تأثير على الأنماط الزراعية. إن موجات الحرارة والجفاف وزيادة ظواهر هطول الأمطار الغزيرة والعواصف والفيضانات؛ سيؤدي إلى انخفاض في إنتاجية الثروة الحيوانية وزيادة نفوق الماشية. ونتيجة لذلك، وقد يؤدي ارتفاع درجة الحرارة أيضاً إلى توسيع نطاق العديد من الآفات الزراعية وزيادة قدرة تجمعات الآفات على البقاء طويلا والتكيف مع الظروف المناخية مما له من تأثير على الزراعة.

 

غير أن تأثير التغير المناخي يكون واضحا في حالة الفاكهة والخضروات، التي تعتبر عنصراً أساسياً في النظم الغذائية الصحية؛ فمن المتوقع حدوث انخفاض في إنتاج وملاءمة هذه الأنواع في ظل درجات الحرارة المرتفعة خاصة، حيث يقلل الإجهاد الحراري من ثبات الفاكهة ويسرّع من نضج الخضروات؛ ما يؤدي إلى خسائر في الإنتاج، وتدهور في جودة المنتج، وزيادة في فقد الطعام وهدره.

 

ختاما، وفي محور التوصيات، فإننا نوصي قطاع الأمن الغذائي والسيادة الغذائية بالنقاط التالية:

- السعي لتكريس التقنيات الذكية في إنتاج الغذاء؛ فمثلا يمكن استكشاف أصناف جديدة ذات موسم زراعي قصير لتقليل الاحتياجات المائية اللازمة كمحصول الأرز حيث جربت في عديد الدول، أصناف لها القدرة على تحمُّل الملوحة ونقص المياه والجفاف ومقاومة الأمراض، وغير مستهلكة للمياه وذات إنتاجية عالية.

- التنبؤ بمواعيد ظهور وانتشار الآفات وأحوال الطقس

- استقراء التغيرات القادمة والتحضير لاستراتيجيات جديدة لضمان استمرارية الإنتاج

- التركيز على التقدم التكنولوجي للحد من تأثير تغيرات المناخ.

 

ومن المهم وضع سيناريوهات لما قد يصاحب هذه التغيرات.

 

إننا في موريتانيا بحاجة ماسة إلى التحرك الآن للقضاء على الجوع وسوء التغذية ولتمكين قطاعات الزراعة من التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من تداعياته السلبية، نستحضر هنا فياضانات أكتوبر 2024 التي ضربت ولايات الضفة وما تسببت به من خسائر هائلة للمزارعين، وما خلفته من تهديد للأمن الغذائي للبلد.