تشهد موريتانيا في السنوات الأخيرة توسعًا عمرانيًا ملحوظًا، مدفوعًا بنمو سكاني متزايد، وحاجات تنموية ملحة، خاصة في نواكشوط والمدن الداخلية. وقد رافق هذا النمو اهتماما متزايدا من الدولة بتحسين جودة البناء وضمان ديمومته، باعتباره إحدى ركائز التنمية الحضرية المستدامة.
وفي ظل هذا التوسع، لم تغفل الحكومة التحديات المرتبطة بجودة المنشآت، وضرورة اعتماد رؤية عمرانية حديثة تستجيب للمتغيرات المناخية والاقتصادية، وتضع أسسًا متينة لبناء يواكب متطلبات الأجيال القادمة.
أولًا: تشخيص الواقع العمراني — وعي بالتحديات وتخطيط للحلول
تدرك الجهات المختصة في الدولة أن قطاع البناء لا يخلو من التحديات، والتي تتمثل أساسًا في:
- الحاجة إلى تعزيز الرقابة الفنية أثناء التنفيذ، خاصة في ظل التوسع السريع والمستمر
- استخدام بعض المواد التي قد لا تكون مطابقة دائمًا للمواصفات، نتيجة نقص الوعي أو محدودية العرض.
- غياب التكوين الكافي في بعض المهن المرتبطة بالبناء، ما قد يؤثر على جودة التنفيذ.
- ضعف ثقافة الصيانة الدورية في المجتمع، مما يؤدي إلى تآكل تدريجي لبعض المنشآت.
غير أن التعاطي مع هذه التحديات لم يكن سلبيًا، بل شكّل دافعًا حقيقيًا لإطلاق مسار إصلاحي شامل تقوده الدولة بحزم وواقعية.
ثانيًا: جهود حكومية متدرجة نحو استدامة البناء
شرعت الحكومة في تنفيذ حزمة من السياسات والإجراءات بهدف تعزيز متانة المباني وضمان استمراريتها، نذكر منها:
- تطوير الإطار التشريعي والتنظيمي: من خلال العمل على تصنيف المقاولين والمؤسسات الفنية لضمان المهنية والشفافية في تنفيذ المشاريع.
- تعزيز الرقابة على المشاريع: عن طريق مكاتب الرقابة ومكاتب المتابعة.
- النهوض بالتكوين المهني: إطلاق برامج تكوين في مجال البناء والصيانة تستجيب لحاجات السوق وتواكب التطورات التقنية.
- تشجيع الشباب على الالتحاق بهذه التخصصات عبر دعم حكومي ملموس.
- تعزيز البحوث في مجال استخدام المواد المحلية بطريقة عصرية واقتصادية.
- ترسيخ ثقافة الصيانة الوقائية: في ظل وجود توجه حكومي للاعتناء بالمباني العمومية وصيانتها.
ثالثًا: ثمار مرتقبة لرؤية حكومية متبصّرة:
من شأن هذه السياسات أن تنعكس إيجابًا على عدة مستويات:
- رفع جودة البناء وتقليل المخاطر الإنشائية والحوادث.
- ترشيد الإنفاق العمومي عبر تقليل نفقات الصيانة الطارئة والترميم
- جذب الاستثمارات عبر تحسين صورة البيئة الحضرية
- بناء وعي جماعي بأهمية العناية بالمباني واستدامتها
رابعًا: التوصيات — دعم المسار الوطني:
- إعداد كود بناء وطني موحد يتماشى مع الخصوصيات الجغرافية والمناخية، ويستفيد من أفضل التجارب الإقليمية.
- دعم إنشاء هيئة وطنية للصيانة، تكمل جهود الوزارات والبلديات.
- دمج مفاهيم الاستدامة في التعليم المهني والثانوي.
- رقمنة الخدمات المرتبطة بالبناء لمزيد من الشفافية والنجاعة.
- تعزيز الشراكات العلمية لتطوير حلول محلية في مواد البناء والتصاميم المستدامة.
- إطلاق حملات تحسيسية توعوية حول أهمية الصيانة، بالشراكة مع الإعلام والمؤسسات الوطنية.
بناء اليوم... استثمار في مستقبل الأجيال
إن مسار استدامة البناء في موريتانيا ليس مجرد توجه فني، بل رؤية تنموية متكاملة وضعت الحكومة لبِناتها الأولى، وتسير بخطى ثابتة نحو ترسيخها. فبفضل الإرادة السياسية، والدعم المؤسسي، وتضافر الجهود المجتمعية، يمكن لموريتانيا أن تبني مدنًا صامدة، ومباني تدوم وتخدم الإنسان والوطن لعقود طويلة.