على مدار الساعة

مالي، أزمة متعددة الأبعاد بين العسكرة ومطالب التصحيح...

7 مايو, 2025 - 02:02
حسين أغ عيسى لنصاري

تشهد مالي واحدة من أخطر الأزمات في تاريخها الحديث، حيث تتداخل العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في مشهد معقد يهدد بانهيار الدولة، فمنذ الانقلاب العسكري، سنة 2020، قاد آسيمي غويتا، البلاد نحو تحول جذري تميز بتعزيز النفوذ العسكري وتقويض المؤسسات الديمقراطية وقطع العلاقات مع الشركاء التقليديين لصالح تحالفات جديدة مع روسيا.  

 

على الصعيد السياسي، شهدت البلاد تفكيكاً منظماً للدولة المدنية، أعلنت الحكومة الانتقالية مراجعة قوانين الأحزاب السياسية وطلبت مراجعة شاملة لمواردها المالية منذ عام 2000، بحجة "محاربة الفساد"، كما تم إلغاء النظام الأساسي المنظم للحياة الحزبية، مما أثار احتجاجات واسعة واتهامات بـ"إقامة ديكتاتورية عسكرية".

 

وجاء ذلك تباعا للتعديلات الدستورية المثيرة للجدل التي أقرت عبر استفتاء يونيو 2023 (بنسبة 97% حسب الرواية الرسمية) لتمنح صلاحيات مطلقة للرئيس وتكرس هيمنة العسكر، حيث شملت إلغاء التناوب السلمي للسلطة ومنح الحصانة للعسكريين وتقويض استقلالية القضاء. كما ألغت السلطات اتفاق الجزائر (اتفاق السلام والمصالحة الموقعة بين الحكومة المركزية والحركات الأزوادية 2015) الذي كان يضمن هدنة مع الحركات المسلحة المطالبة بالانفصال في الشمال، مما زاد الطين بلة وأشعل حربا غير ضرورية وتعددت جبهات القتال أمام القوات المسلحة التي تخسر يوميا معارك في مواجهاتها مع الجماعات الجهادية.

 

تتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل ينذر بكارثة، حيث تجاوز عدد النازحين 1.8 مليون شخص، بينما يعاني 3.5 مليون من انعدام الأمن الغذائي وفق منظمات دولية. وشهدت البلاد انهياراً في الخدمات الأساسية، حيث توقفت 50% من الخدمات الصحية في شمال مالي ووسطها، كما انهار التعليم في مناطق الصراع مع إغلاق مئات المدارس. 

 

في المجال الأمني، يشهد الوضع تصاعداً خطيراً للعنف مع فشل الاستراتيجيات المتبعة، جاء انسحاب القوات الدولية المتمثلة في بعثة الأمم المتحدة وفرنسا والقوات الأوروبية بعد عقود من الوجود، ليفسح المجال أمام تعزيز النفوذ الروسي عبر انتشار 1500 - 2000 عنصر من "مرتزقة فاغنر" إضافة إلى عدد آخر من الفيلق الأفريقي - الروسي المشكّل حديثا، دون أن يحقق ذلك استقراراً ملموساً. وسجلت البلاد زيادة بنسبة 35% في العمليات العسكرية منذ 2023، مع أن حوالي 30% من الأراضي تحتفظ بها الجماعات المسلحة خاصة في الوسط والشمال، وارتفاع الهجمات على المدنيين بنسبة كبيرة خلال عام 2024 و2025. 

 

يواجه الاقتصاد الوطني انهياراً غير مسبوق تحت وطأة العقوبات والعزلة الدولية، حيث سجل انكماشاً بنسبة 3.5% وتضخماً قياسياً بلغ 15%. وتوقفت 80% من مشاريع التنمية بسبب العقوبات، بينما تراجعت المساعدات الخارجية بنسبة 60%. ويعاني قطاع التجارة، العمود الفقري للاقتصاد، من عزلة دولية تهدد بانهياره الكامل. 

 

أدى هذا الوضع إلى عزلة دولية وانقسام في المواقف، حيث علقت دول الإيكواس عضوية مالي وفرضت عليها عقوبات اقتصادية، ما جعل الحكومة الانتقالية تنسحب من المنظمة الإقليمية، بينما قلص الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة دعمهم المالي، إضافة إلى استعداء دول مجاورة كساحل العاج وموريتانيا والجزائر.

 

وفي المقابل، توفر موسكو وبكين دعماً دبلوماسياً وعسكرياً للنظام العسكري، في إطار صراع جيوسياسي أوسع ولكنه على ما يبدوا غير كافٍ لسد الفراغ.

 

تتنافس ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل البلاد: استمرار الهيمنة العسكرية مع تخفيف تدريجي للعقوبات مقابل تنازلات سياسية، أو انهيار كامل بسبب تفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية، أو حدوث ثورة شعبية مع تصاعد الاحتجاجات التي تقودها الأحزاب السياسية المطالبة بتصحيح مسار الحكم واعادة العمل بالدستور واحترام القانون والتخطيط لإجراء انتخابات نزيهة. 

 

على كل حال، تقف مالي اليوم عند مفترق الطرف: إما العودة إلى الحوار الوطني الشامل وإصلاح المؤسسات، أو الانزلاق نحو حرب شاملة من جميع الجبهات، وتتطلب الحلول إعادة تفعيل اتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة، وإصلاح النظام السياسي عبر الحوار مع الأطراف السياسية ورسم خطة لتنظيم انتخابات حقيقية، واستعادة علاقاتها الدبلوماسية والأمنية مع محيطها الإقليمي وإعادة هيكلة الاقتصاد بمساعدة الشركاء الدوليين.