على مدار الساعة

تحالف الشام ليوم الفتح الأكبر

4 مايو, 2025 - 02:09
بقلم: عز الدين مصطفى جلولي - كاتب وأستاذ جامعي جزائري

صورة العالم كما تشكل بعد الحربين العالميتين شرعت في التهاوي ولا مجال لترميمها، و"ترامب" متناسق جدا مع منطق العالم الجديد. محاكمة السلوك الأمريكي بمعايير الأمم المتحدة أصبح من الماضي، ولا مكان للضعفاء في عالم اليوم. منطق القوة واحتلال البلدان لا يردعه إلا منطق الحق والفتوح. ولا تمتلك الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي اليوم إمكانية دفع الغزاة عنها فضلا عن أن تغزوهم؛ وتلكم هي بداية نهايتها.

 

هؤلاء اللاعبون الرسميون في السياسة الدولية بمنطقتنا الإسلامية معروفون، ولا ننس الحية الكبرى التي تسعى بيننا "إسرائيل" ومخاطرها بعيدا عن حليفتها الولايات المتحدة. لكن الأطراف المؤثرة حقا هم أهالي المنطقة وحركات المقاومة فيها، والإرادة الإلهية الحاكمة على مآلات الأمور كلها، {لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم}.

 

سورية حاضنة فلسطين

يقال الكثير اليوم عن الحكام في سورية ولكن أين هي الحقيقة؟ وهل في ممارسة السنة للحكم هيمنة؟ علما بأن مناصرة هؤلاء لفلسطين ليست من باب القومية والأخوة في المظلومية، بل فريضة شرعية وعقيدة إسلامية. ثم إن حركة الجهاد الإسلامي تحالفت مع إيران لتحرير بلدها لا لقتل السوريين، ولا مانع من تواصل الحلف ما دام يخدم الأمة. إن للحكم في سورية اليوم مروحة واسعة جدا من الخيارات، ولن تستطيع أية قوة في الدنيا حشره في الزاوية.

 

وليست آليات النضال الناعمة بعيدا عن العمل العسكري بمجدية، الشوكة لازمة للمشاريع التحررية جميعها، وليس نموذج جنوب إفريقيا بمشابه لنا. ثم إن تفكيك البنية السياسية للكيان المحتل ومسار الصراع السلمي معه بلاغ لحقيقة أنه محتل غاصب، أو مفض بنا إلى القول بأن موجات المقاومة المسلحة لم تك مفيدة، أو أنها معدومة التقدير كما يشاع اليوم بوضوح عن طوفان الأقصى، رغم كوننا ما نزال في خضم المعركة، وارتداداتها على الكيان المجرم تتداعى كالهجرة العكسية. احتلال يعني مقاومة، أما الانتصار فيها فقضية تراكمية ولدنية بحتة.

 

نرجو ألا يكون أهلنا الأكراد في سورية الجديدة حصان طروادة للدول الراعية للمؤتمر الذي أردوا منه الوحدة فيما بينهم، فرنسا وأمريكا وحلفاء البرزاني المعروفين، فلهاته الجهات خبرات تاريخية في تسميم العلاقة داخل مجتمعاتنا المسلمة. لم نر في المؤتمر نفسا لأحفاد صلاح الدين، ولا للنساء العابدات من جبال قنديل!

 

خيار أوحد أمام الأردنيين

تكفي جلسة مع الرئيس الأمريكي "ترامب" لاتخاذ مواقف رجولية جريئة؛ الحكم يجب عليه أن يعول على الله سبحانه ثم على الأمة ليشتد ساعده ويستد رأيه، فعند الله تعالى والأمة المحمدية خزائن السماوات والأرض، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

بعض الأطراف الأبية لم تستطع أن تفرض على سلطتها الوقوف بحزم مع أهلنا المعذبين في فلسطين لأنها عزلاء، وبعض النشامى اجتهدوا لدفع الصائل عن أمتهم لا لتقويض الحكم في المملكة، وتلكم قصة تسكن في تفاصيلها المردة من الشياطين.

 

لا دلائل على أن القرار الأردني بحل الجماعة كان مستقلا، لقد تكرر السيناريو وفاعلوه وراء الستار في أكثر من دولة، ناهيكم بأن الحاكم الملكي باسم الهاشمية بدأ يتحسس العواصف العاتية التي ستهب من الشمال، والتي ستجد في مكونات أردنية خير معين لها على ترتيب المنطقة بشكل جديد، الإسلام هو من يصبغ السياسة فيها. وذلك هو التطور الطبيعي للتفكير السياسي عندنا لا كما يذهب البعض في حديثهم عن الدولة الحديثة بشكلها الغربي المعروف، والذي بدأ يتداعى هو الآخر منذ سنوات.

 

هذه معركة سياسية لا جرم فيها غير الفضيلة. ناهيكم أن تجريم الإخوان زراعة ناجحة لمحصول وفير لها في قابل الأعوام. كما أن النظام الأردني سيفقد سدا وسطيا لطالما صد عنه أمواج الأيديولوجيات المتطرفة، وفي المحنة نعمة لأصحابها كذلك، لعلهم يراجعون ما قدموا من خدمات مجانية لأنظمة مجافية لتاريخ أمتها في هذه الربوع المباركة.

 

لا خوف على اللبنانيين

هل يعيد لبنان إعمار ما هدمته الحرب ليعاد تهديمه بعد ذلك في حروب قادمة لا محالة؟ ومتى كان الدستور حاكما بين الطوائف لنحاججهم بمواده قانونيا؟ أظن أن البلد كله بني على خطأ، والدستور نفسه غير قابل للحياة طويلا. يحسن باللبنانيين أن يفكروا في دفع الضرر عنهم أولا، ثم ليفكر حكماؤهم بعد ذلك في مصلحة شعبهم أين تكون.

 

مبدأ حصر السلاح بيد السلطة كلمة حق غالبا ما يراد بها باطل. لقد مكن هذا المبدأ الاستبداد السياسي من تقويض المكتسبات "الديمقراطية" وتجيير العملية لصالحه على الدوام، لا أمثلة من الواقع على عكس ذلك. تجربة حزب الله مضيئة في مواجهة الكيان المحتل ومظلمة في الاتجاه الآخر، ولكي لا نخدع بما يشاع، فإن مكونات لبنانية معروفة تريد بحصر السلاح في يد الدولة التطبيع مع العدو.

 

توسيع نطاق المقاومة لتشمل شرائح لا تؤمن بـ"سايكس - بيكو" ولا تدفع نحو التطبيع هو الحل الأمثل للشرفاء. الشيعة الأباة خارج نطاق الحزب وأمل، والنشامى من السنة، والأحرار من باقي الطوائف عليهم أن يتسلحوا ويتكاملوا ويتعاونوا مع المقاومة في إطار محيطهم الإسلامي السني والشيعي معا. من تهمه سلامة الرأس والعيش بأمان، فالأم الحنون ما تزال تمنعه في جبل لبنان، من أي اعتداء قد يقبل عليه الكيان. أما قضية الأقصى فتحتاج من الأمة إلى شهداء بالملايين.

 

المرجعية الروائية في الإطلالة على استحقاقات كبرى تشتت الأجيال المعاصرة والقادمة عن تلمس الحقيقة لتمسك بزمام مصائرها. كانت للوساطة العربية بقيادة الأخضر الإبراهيمي في الحرب الأهلية اللبنانية أواخر القرن الماضي، ولفزعة الأمير عبد القادر الجزائري لوأد الفتنة بين الدروز والموارنة في القرن الذي سبقه أثرهما التاريخي على التعايش في المنطقة وإن لم تعالجا المشكلة من أصولها. المهم أن تجد الأقليات غير المتعالية على أمتها سندا روحيا يحميها إذا جد جدها. فلا تستصغرن التحالف مع الأجنبي في الملمات التي تضعف الشعوب المسلمة في المنطقة.

 

ولا ننس الجناحين

الدول الإسلامية لديها ما تجتمع عليه وهو كثير نافع، خاصة بين تركيا وإيران كجناحين للعالم الإسلامي يحسن الظن بهما في مساندة المقاومة، أما الشعوب فبإمكانها الدعم المالي عبر الجمعيات الخيرية الناشطة في الإغاثة. إن واجب التحرير بأي ثمن كان هو الذي يبنى عليه الفعل المقاوم، والكيان الظالم لا بقاء له مطلقا على أرضنا طال عمره المحدود أم قصر.

 

تركيا تتمدد حقا ولكنها لا تسعى للوحدة بين المسلمين كما يجب. إيران دولة محورية ولديها نفوذ مواز، ولو أن قادة البلدين اتحدوا على الأقل في قضية فلسطين لكان في ذلك خير عظيم. ولكن هل يرضي الله تعالى أن يرى طائفة من المؤمنين تقاتل الأخرى؟

 

"ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل". إن المباهاة بالإنجازات لأغراض دعائية وسياسية لا تنفع صاحبها في الملمات. ما نراه من صراع في الداخل التركي تناقضات في الحياة السياسية تطفو على السطح عندما يمر المجتمع بتحولات كبرى، وسوف يتخلص المجتمع التركي منها بعد معاناة ليلبس فروا جديدا إن شاء الله! فرو يكون أليق به من شرنقة أثقلت كاهله خلال مئة عام من التيه والضلال.

 

إن الصراع "العربي - الإسرائيلي" اختزال أولي للصراع "الإسلامي - الإسرائيلي"، الذي تسعى المقاومة في غزة والضفة الغربية ومن يساندها من بعيد بعث الحياة فيه من جديد. ولكي لا نفهم دعوة القاعدين عن الجهاد إلى فتح فروع للهيئات الرسمية في المناطق المحتلة تطبيعا، فالأولى بهذه الهيئات أن تنسق في ما بينها مواقف رجولية لتحرير فلسطين كلها؛ فحينها فقط نتحسس وحدة العالم الإسلامي على أعتاب الأرض المباركة، عالم كان، وسيعود كما كان بعون الله تعالى، قائما على أمة خيرّة، تعيش في أكنافها ملل كثيرة بسلام.