على مدار الساعة

تنبيه: من خطاب الأقليات إلى ثقافة المواطنة

4 مايو, 2025 - 00:38
بونا ولد الحسن - محام

"كلما قررت مغادرة هذا الفضاء أجد داع للكتابة"

 

في زمنٍ تزدحم فيه الساحة الفكرية والإعلامية بالمفاهيم المستوردة، قد يجد بعضنا نفسه واقعًا في فخّ تبني مصطلحات لا تنتمي إلى واقعنا التاريخي ولا تنسجم مع بنيتنا الاجتماعية. ومن بين هذه المصطلحات، يطفو إلى السطح مصطلح "الأقلية"، الذي أصبح يتردد على بعض الألسن وكأنه توصيف مشروع لفئات من الشعب الموريتاني.

 

لكن الحقيقة أعمق من ذلك. فموريتانيا لم تُبْنَ على أساس "أغلبية" و"أقلية"، بل على شراكة حضارية وجغرافية وتاريخية بين كل مكوناتها، على امتداد قرون، في وئام، وتفاعل ثقافي وإنساني أثمر خصوصية موريتانية عصية على التصنيف وفق القوالب الغربية الجاهزة.

 

ما يغيب عن بعض الخطابات المتعجلة هو أن كل مكونات الشعب الموريتاني شاركت في بناء هذا الوطن، في الذود عنه وقت الحاجة، وفي تشكيل هويته الجامعة. صحيح أن هناك فترات في تاريخنا شهدت اختلالات وتمييزًا أو تهميشًا – كما حصل في معظم دول العالم – ولكن الأهم هو العمل على تجاوزه، لا إعادة إنتاجه في صيغة انتقامية أو انقسامية.

 

والحل لا يكون أبدًا في إضفاء طابع استثنائي على مكون دون آخر، ولا في منح امتيازات خاصة تُكرِّس الفرقة وتُغذي الشعور بالغبن أو التفوق، بل في السير بثبات نحو دولة المواطنة؛ تلك الدولة التي لا تميّز بين مواطنيها إلا بالكفاءة والنزاهة، ولا تعترف إلا بالمساواة أمام القانون، ولا تحتكم إلا إلى مبدأ العدل.

 

موريتانيا لا تحتاج إلى وصاية فكرية، ولا إلى تدخلات خارجية تُعيد رسم خارطة انتمائها. ما تحتاجه هو تكريس مشروع وطني شامل، يشعر فيه كل فرد – من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب – بأنه شريك في هذا الكيان، لا "ضيفًا" عليه ولا "ملحقًا" به.

 

الوحدة الوطنية ليست ملفًا من ملفات الحكومة، بل هي عهد بين جميع المواطنين، يلتزم به الأئمة والقضاة، الساسة والمفكرون، الشيوخ والشباب. هي الضمانة الكبرى لاستقرار البلاد ونهضتها، وأي تفريط بها هو مقامرة بمستقبل الأجيال القادمة.

 

لقد آن الأوان لأن نُغيِّر زاوية النظر، وأن ننتقل من عقلية "التوازنات" إلى ثقافة "الحقوق"، ومن خطاب "المكونات" إلى لغة "المواطنة". آن الأوان لأن نقول بصوت واحد: لا يوجد في موريتانيا أقليات، بل يوجد شعب واحد متعدد الملامح، غني بالتنوع، لكنه متماسك في جوهره، موحَّد في انتمائه، وراسخ في حضوره