على مدار الساعة

الأبعاد العشرة لمشكلة المياه في موريتانيا

3 مايو, 2025 - 03:26
بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه - مهندس في مجال المياه والصرف الصحي

لي كامل الحق في اعتبار قضية المياه في موريتانيا مشكلة، ذلك أننا بلد يمتلك موارد مائية جوفية وسطحية هائلة، ومع ذلك ما زلنا نعيش بين الفينة والأخرى حالات انقطاع للمياه في العاصمتين الإدارية نواكشوط والاقتصادية نواذيب ناهيك عن بعض مدننا الداخلية التي تعيش على حافة العطش!

 

ولفهم هذا الإشكال سأذكر أسبابه وفقا للتقسيم التالي:

أولا: أسباب ديمغرافية:

 لا يتعلق الأمر هنا بالكثافة السكانية، ولكنه يتعلق بالتوزيع الفوضوي للسكان داخل الأراضي الموريتانية.

 

ثانيا: أسباب اجتماعية:

تتعلق بظاهرة التقري الفوضوي ومطالبة كل قبيلة أو فئة بحصتها الخاصة من المياه ورضوخ الدولة لهذه المطالب دون مراعات لمعطيات الجيوفيزيا ولا الهيدروجيلوجيا.

 

ثالثا: أسباب سياسية:

تعين وزراء من غير المختصين بالمجال وعزلهم في فترة معدلها سنة تقريبا وهي فترة لا تسمح لأي وزير بفهم حيثيات موضوع المياه مما يجعل كل المعالجات محدودة وكل السياسات لا تتجاوز التسيير اليومي.

 

رابعا: أسباب إدارية:

وتتمثل أساسا في تداخل الصلاحيات بين تآزر ووزارة الزراعة ووزارة المياه وخصوصا في مجال السدود.

 

خامسا: أسباب جغرافية:

 فبعض الموارد الهامة مشتركة مع دولٍ مثل الجزائر ومالي والسنغال، مما يعرض الأمن المائي الوطني لخطر كبير، خصوصا في ظل غياب اتفاقيات أو تفاهمات لإدارة المياه الجوفية المشتركة.

 

سادسا:

أسباب تتعلق بعدم توجيه البحث العلمي في اتجاه الأبحاث المائية مثل تحديد الخريطة الهيدروليكية، وحساب الأعمار الافتراضية للبحيرات الجوفية، والأبحاث المتعلقة بالأمراض ذات الأصل المائي.

 

سابعا: أسباب اقتصادية:

تتعلق بنقص التمويل.

 

ثامنا: أسباب مناخية:

تتعلق بالتغيرات المناخية التي تنتج عنها دورات غير منتظمة بين الجفاف الذي يؤدي إلى نقص المياه وبين الأمطار الغزيرة التي تؤدي إلى ارتفاع الطمي في الأنهار والسدود، وبالتالي ازدياد الرواسب المختلطة بالمياه التي تسد الأنابيب.

 

تاسعا:

أسباب تتعلق بنقص التوعية بأهمية المحافظة على الموارد المائية وعدم تبذيرها.

 

عاشرا: أسباب تتعلق بالبنى التحتية:

مثل رداءة المضخات وأنابيب التزويد والخزانات وعدم صيانتها.

 

***                 

ليس من اللباقة ذكر المشاكل دون تقديم حلول، ومن المتعارف عليه أن الحلول لا تأتي دفعة، وإنما هنالك حلول على المستوى القريب والمتوسط والبعيد:

 

أولا: المستوى القريب:

فيما يخص المدى القريب العاجل فعلى الحكومة أن تبادر إلى توفير الحنفيات العمومية وصهاريج المياه في الأحياء الأكثر فقرا وهشاشة داخل نواكشوط ونواذيب وسائر المدن الداخلية، واعتماد حالة طوارئ مائية، ولكن هذه الحلول رغم أنها تساعد في إيقاف النزيف كما يقول الأطباء لكنها لا تعالج الداء، ومن أجل ذلك يجب أن تكون متبوعة مباشرة بتوسعة الشبكات وزيادة قدرة الإنتاج والبدء في إجراءات ربط الأحياء الفقيرة بشبكة المياه، بالإضافة إلى علاج أسباب الانقطاع المتكرر للمياه و إصلاح التآكل في شبكات المياه والعمل على صيانتها.

 

ثانيا: المدى المتوسط والبعيد:

أما فيما يخص الحلول المتوسطة والبعيدة المدى فتتلخص أساسا في:

1. الحكامة الرشيدة: فيما يخص صفقات إنشاء جميع المشاريع التنموية بما فيها المشاريع المائية، فهذه الصفقات في بعض الأحيان لا تسلم من الفساد في شتى مراحلها!

 

فبالإضافة إلى صفقات التراضي، تمر أحيانا الصفقات التي تمنح على أساس مناقصة بفساد في:

- مرحلة إعداد المناقصة، وذلك بتفصيلها على مقاس شركة معينة.

- مرحلة التقويم: فقد يتم التغافل عن التأكد من مصداقية وثائق الخبرة التي تقدمها بعض الشركات، وأحيانا إعطاء جانب من الخبرات المطلوبة نقاطا أكثر من أجل ترجيح كفة شركة معينة.

- مرحلة ما بعد إعطاء الصفقة: فمن السهل أن يتواطأ مكتب المراقبة مع الشركة المنفذة فيتم التلاعب بالتجهيزات الضرورية للمشروع أو بالآجال المحددة للتنفيذ أو بتبديد المصروفات.

 

لذا فإن الحكامة الرشيدة في مجال الصفقات العمومية أمر لا غنى عنه من أجل تنمية أي قطاع حيوي.

 

2. من الحلول المهمة إشراك رجال الأعمال الوطنيين والمقاولين الشباب في مشاريع الدولة، ولا أعني هنا رجال الأعمال الذين يفكرون بعقلية "مول البوتيك"، بل أعني الذين يدركون أن أرباحهم لا تتنافى مع صحة ورفاه المواطن، ولا تتنافى كذلك مع إنجاز البنى التحتية اللازمة خصوصا في قطاع حيوي مثل المياه، فرجل الأعمال الحقيقي يدرك جيدا أن وطنا لا حكامة فيه ولا بنى تحتية هو وطن طارد للاستثمارات وغير جالب للأرباح.

 

3. نحن بلد لديه إمكانيات هائلة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهنالك تقنيات معروفة وقابلة للتطبيق آن الأوان لنستخدمها، من هذه التقنيات تقنية تحلية المياه الجوفية المالحة بواسطة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

 

يمكن استخدام الطاقة الشمسية لتشغيل محطات تحلية المياه الجوفية عبر تقنيات مثل التحلية الحرارية أو التحليل الكهربائي.

 

وذلك بتقنية:

- التقطير الشمسي: التي تعتمد على تجميع أشعة الشمس وتسخين المياه الجوفية، ثم تكثيف البخار المتولد للحصول على مياه عذبة. هذه التقنية بسيطة وتستخدم في المناطق الريفية.

- التحلية عبر التناضح العكسي: في هذه الطريقة، تُستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات تعمل على ضغط المياه الجوفية ودفعها عبر أغشية خاصة تفصل الأملاح عن المياه. هذه التقنية فعالة ويمكن توظيفها على نطاق واسع.

 

تعتبر هذه التقنية منخفضة التكاليف على المدى الطويل لأنها تعتمد على مصدر طاقة طبيعي متجدد (الشمس) متوفر بكثرة في المناطق الجافة.

 

أما عن تحلية المياه باستخدام طاقة الرياح فيمكن استخدام توربينات الرياح لتوليد الكهرباء اللازمة لتشغيل محطات التحلية، خاصة في المناطق الساحلية أو المفتوحة التي تتمتع برياح قوية.

 

فيتم دمج توربينات الرياح مع أنظمة التناضح العكسي أو تقنيات التحلية الحرارية.

 

فطاقة الرياح تعتبر بديلاً فعالاً للطاقة الشمسية، خاصة في الأيام التي تكون فيها السماء ملبدة بالغيوم أو في ساعات الليل. هذه التقنية توفر استقراراً في إنتاج الكهرباء.

 

بالإضافة إلى ذلك يمكن تخزين الطاقة الشمسية المتولدة خلال النهار في بطاريات لاستخدامها خلال الليل أو في الأيام الغائمة. وهو ما يسمح لمحطات تحلية المياه الجوفية بالعمل على مدار الساعة.

 

عن طريق بطاريات الليثيوم - أيون أو أنظمة التخزين الحراري وبالتالي يمكن استخدامها مع الألواح الشمسية.

 

بعد تحلية المياه الجوفية، يمكن استخدام أنظمة الري بالطاقة الشمسية لتوزيع المياه في الحقول الزراعية. هذا يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري في تشغيل مضخات المياه.

 

هذا الحل يمكن أن يسهم في تعزيز الأمن الغذائي وزيادة الإنتاج الزراعي بطريقة مستدامة.

 

4. من الحلول الضرورية لمشكل المياه وخصوصا في المستقبل هو تحلية مياه البحر، هذا الحل وإن كان مكلفا إلا أنه باستخدام الطاقات النظيفة آنفة الذكر والشراكة بين القطاع العام والخاص يمكننا تنفيذ مشاريع تحلية مياه البحر التي ستقدم حلا مثاليا لتوفير المياه في المناطق الصناعية مثل مدينة نواذيب.

 

كما أن فصل المياه المالحة يمكن أن يوفر أحواضا لتربية الأسماك وزراعة بعض الخضروات والأعلاف.

 

6. الصرف الصحي:

الصرف الصحي، خلافا لما اعتقدته الأنظمة السابقة ليس ترفا، فترك المياه العادمة دون معالجتها قد يتسبب في انتشار للأوبئة لا قدر الله بالإضافة إلى تسببه في اختفاء التنوع البيلوجي واختلال التوازن البيئي.

 

لكن الحل هنا في حالة إنشاء محطات لمعالجة المياه العادمة، وفي هذه الحالة يمكننا استخدام تقنيات فيزيائية وكيميائية وبيولوجية كي تصبح مياه الصرف الصحي ذات الأصول الأربعة (مطرية، منزلية، زراعية، صناعية) صالحة للاستخدام على مستويات عدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: 

- الاستخدام الصناعي: مثل أنشطة التنقيب والاستخراج في مجالات النفط والغاز والتعدين.

- الاستخدام في مجال الطاقة: حسب تقرير أممي صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن معالجة مياه الصرف الصحي يمكن أن تكون حلا مناخيا عبر توليد الغاز الحيوي والتدفئة والكهرباء، كما يمكنها إنتاج طاقة تزيد بنحو خمسة أضعاف عن الطاقة المطلوبة لمعالجتها، وهو ما يكفي لتوفير الكهرباء لنحو نصف مليار شخص سنويا. 

- الاستخدام البيئي: يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في تحسين المناطق الرطبة الطبيعية وإنشاء أخرى كما يمكن أن تكون حلا طويل الأجل فيما يتعلق بالجداول المائية.

- الاستخدام الزراعي: يمكن استخراج الأسمدة من مياه الصرف الصحي المعالجة بواسطة تقنيات بيولوجية يتم خلالها استخدام البكتيريا الهوائية وغير الهوائية في تفكيك المحتويات العضوية لمياه الصرف الصحي واستخراج النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم مما يساعد في تقليل الاعتماد على الأسمدة الاصطناعية.

- الاستخدام المدني: يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في إطفاء الحرائق وري المنتزهات والملاعب والمساحات الخضراء.