على مدار الساعة

الهجرة غير النظامية في موريتانيا: بين التحديات الوطنية وضغوط التساهل الإنساني

28 أبريل, 2025 - 00:55
أحمدو امباله – نائب برلماني

تعد الهجرة غير الشرعية في موريتانيا قضية متشابكة تتداخل فيها الأبعاد التاريخية، والجغرافية، والسياسية، مما يجعلها تحديا مستمرا للسلطات الموريتانية.

 

ففي السياقين التاريخي والجغرافي، تقع موريتانيا في موقع استراتيجي يجعلها نقطة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء والمتجهين نحو أوروبا، خاصة عبر جزر الكناري الإسبانية.

 

هذا الموقع الجغرافي، إلى جانب الحدود البرية الشاسعة مع دول مثل مالي والسنغال، يسهل حركة المهاجرين ويجعل من موريتانيا معبرا شبه سهل في طرق الهجرة، والتي شهدت في السنوات الأخيرة تزايدا ملحوظا في أعداد المهاجرين غير النظاميين، مما أدى إلى ضغوط أمنية واقتصادية واجتماعية، حيث تقدر بعض التقارير غير الرسمية أن المهاجرين يشكلون أكثر من 10% من سكان البلاد، مما يثير مخاوف من تأثيرات ديموغرافية واقتصادية.

 

وقد وضعت هذه التطورات البلاد أمام معادلة معقدة تطرح سؤالا ملحا وهو: كيف يمكن لموريتانيا حماية أمنها الداخلي ومصالحها الوطنية، ومراعاة وضعية جالياتها في الدول المصدرة للهجرة، وفي الوقت ذاته الاستجابة للمطالب الدولية والمحلية الداعية إلى مراعاة الجوانب الإنسانية للمهاجرين؟

 

إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب فهما دقيقا للواقع الميداني والمعطيات الرقمية المرتبطة بالهجرة، إضافة إلى تحليل عميق للمخاطر والفرص التي تفرضها هذه الظاهرة.

 

موريتانيا: من بلد معبر إلى مركز ضغط متصاعد

تحولت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة من مجرد نقطة عبور للهجرة السرية نحو أوروبا إلى بلد يشهد تزايدا في أعداد المهاجرين الذين يستقرون مؤقتا أو طويلا داخله.

 

وبحسب تقارير حديثة، شهد الربع الأول من عام 2024 وصول أكثر من 12,393 مهاجرا غير شرعي إلى جزر الكناري الإسبانية عبر السواحل الموريتانية، مقارنة بـ2,178 مهاجرا خلال نفس الفترة من عام 2023، أي بزيادة تفوق 400٪.

 

ولا يقتصر الأمر على المهاجرين العابرين؛ إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن العاصمة نواكشوط وحدها تؤوي نحو 500,000 مهاجر يعيشون في أوضاع قانونية غير واضحة، مما يضع عبئا إضافيا على بنية تحتية هشة في مجالات الصحة والتعليم والإسكان، تعاني أصلا من مشكلات جمة، منها:

- نقص الكوادر الطبية وضعف البنية التحتية الصحية وتهالك التجهيزات الطبية،

- انتشار الأمراض المزمنة والمعدية مثل الملاريا والسل وفقر الدم مع ضعف برامج الوقاية،

- صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية،

- ارتفاع نسب التسرب المدرسي بسبب الفقر وبعد المدارس وضعف البيئة التعليمية،

- تدني جودة التعليم نتيجة نقص تأهيل المعلمين وقلة الوسائل التعليمية الحديثة،

- معاناة المدارس من سوء البنية التحتية وانعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه،

- ارتفاع معدلات الأمية، خاصة في أوساط النساء والمناطق الريفية،

- انتشار العشوائيات، خاصة في نواكشوط، حيث يعيش كثيرون في أحياء تفتقر إلى الخدمات الأساسية،

- نقص مشاريع الإسكان الاجتماعي وارتفاع أسعار العقارات،

- ضعف التخطيط العمراني، مع توسع عشوائي للمدن دون توفير بنية تحتية مناسبة.

 

كل ذلك يضاعف التحديات التي تواجه الحكومة العاجزة أصلا عن تحقيق الرفاه لمواطنيها.

 

وفي ظل سياسة الارتباك والبحث عن حلول لإشكالية تتفاقم مع الوقت، عمدت الحكومة إلى توقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في مارس 2024 تهدف إلى الحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية، مقابل حصول موريتانيا على دعم مالي بقيمة 210 ملايين يورو لتعزيز قدراتها الأمنية وضبط الحدود البحرية والبرية، عبر توفير زوارق مراقبة وتدريب حرس السواحل وتجهيز نقاط التفتيش.

 

غير أن هذه الاتفاقية أثارت انتقادات واسعة وتركت مخاوف عند الكثرين عن مخاطرها على البلد ونسيجه الاجتماعي وواقعه الاقتصادي، كما أعربت بعض منظمات حقوق الإنسان عن مخاوف من أن يؤدي تشديد القبضة الأمنية إلى انتهاكات لحقوق المهاجرين.

 

كما يخشى أن تساهم الاتفاقية في "عسكرة" الحدود بدل معالجة الأسباب الجذرية للهجرة مثل الفقر والبطالة.

 

في المقابل، ساعدت الاتفاقية الحكومة حسب مراقبين على تفكيك عدة شبكات لتهريب المهاجرين، مع التركيز على مكافحة الجريمة المنظمة المرتبطة بالهجرة غير الشرعية، ودفعتها إلى تفعيل تنزيل القانون رقم: 2010 - 21، الذي يجرم تهريب المهاجرين ويحدد العقوبات المرتبطة به.

 

المخاطر والتحديات المترتبة على الهجرة غير الشرعية

يجمع المتابعون لقضية الهجرة في موريتانيا على أن هناك مجموعة من المخاطر والتحديات، يمكن تلخيصها فيما يلي:

1. التحديات الأمنية:

مع تزايد تدفق المهاجرين غير النظاميين، تصاعدت المخاوف من تحول مسارات الهجرة إلى قنوات لتهريب البشر والمخدرات والأسلحة، خاصة أن الحدود الموريتانية الشاسعة وضعف تأمينها يوفران بيئة خصبة لأنشطة الشبكات الإجرامية العابرة للحدود.

 

كما أن غياب الرقابة الدقيقة على تحركات آلاف المهاجرين يطرح تهديدات محتملة للأمن الوطني ولمجهودات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.

 

2. التحديات الاقتصادية:

تزيد الهجرة غير الشرعية من الضغط على الخدمات العامة المحدودة أصلا، ففي بلد يبلغ فيه معدل الفقر حوالي 28٪ (وفق إحصاءات 2022)، تجد الحكومة نفسها مطالبة بتوسيع قدرات الصحة والتعليم والسكن لتلبية احتياجات المواطنين والمهاجرين معا، مما يؤدي إلى تفاقم الإحباط الشعبي وزيادة التوترات الاجتماعية.

 

ورغم الحاجة إلى اليد العاملة الأجنبية في بعض القطاعات مثل البناء والزراعة، إلا أن غياب التنظيم المناسب يزيد من تعقيد المشكلة.

 

3. التأثيرات الاجتماعية والديموغرافية:

يشهد المجتمع الموريتاني تغيرات ديموغرافية ملحوظة نتيجة تزايد أعداد المهاجرين، مما قد يؤدي إلى تحولات ثقافية غير متوقعة، إلى جانب تنامي مظاهر التهميش والنزاعات الاجتماعية بسبب التنافس على الموارد والفرص المحدودة.

 

الضغوط الإنسانية والتزامات موريتانيا الدولية

رغم التحديات المتعددة، تواجه موريتانيا دعوات قوية من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية المحلية إلى التعامل مع المهاجرين بروح إنسانية لعدة اعتبارات، أبرزها:

- الأوضاع المأساوية للمهاجرين: حيث يفر كثير منهم من الحروب والفقر، خاصة من دول الساحل وغرب إفريقيا،

- الالتزامات الدولية: كون موريتانيا طرفا في عدة اتفاقيات تحمي حقوق اللاجئين والمهاجرين، مما يلزمها قانونيا وأخلاقيا باحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان،

- دور المنظمات الدولية: حيث تقدم منظمات كبرى، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، دعما مباشرا لأكثر من 170.000 لاجئ مالي يقيمون في مخيم "امبرا" شرقي البلاد،

 

طريق البحث عن التوازن: ما العمل؟

لمواجهة هذا الوضع المعقد، تحتاج موريتانيا إلى تبني سياسة شاملة ترتكز على:

- تعزيز قدرات ضبط الحدود مع احترام المعايير الحقوقية،

- دعم برامج العودة الطوعية للمهاجرين غير الشرعيين الذين لا تتوافر لديهم فرص للاندماج القانوني،

- إنشاء مراكز استقبال إنسانية توفر الرعاية الأساسية للمهاجرين واللاجئين مؤقتا،

- التعاون مع دول الجوار والمنظمات الدولية لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة عبر دعم مشاريع التنمية ومكافحة الفقر في دول المصدر.

 

خاتمة:

تجد موريتانيا نفسها اليوم على خط التماس بين قضايا الهجرة والأمن وحقوق الإنسان، ولا يمكنها الاستمرار في إدارة هذا الملف الحيوي بالحلول الأمنية وحدها؛ بل المطلوب هو توازن دقيق يحقق حماية السيادة الوطنية، والحفاظ على النسيج الاجتماعي، واحترام كرامة الإنسان، والتعاون مع المجتمع الدولي لمعالجة الأسباب العميقة للهجرة غير الشرعية.

 

إنها مهمة وطنية حاسمة تتطلب رؤية استراتيجية شاملة وطويلة المدى.