على مدار الساعة

كيف تخادع الأنظمة شعوبها المسلمة؟

23 أبريل, 2025 - 18:06
بقلم: عز الدين مصطفى جلولي - كاتب وأستاذ جامعي جزائري

كل ما بين الدولتين الشقيقتين، تونس والمغرب، يدفع إلى التقارب والوحدة، وليس ملف الصحراء المغاربية بكاف وحده كي يفسد للود قضية. ولكن عندما يكون الاختلاف أصلا فأي نزاع سيذهب بروح الأخوة. بيد المملكة المغربية اليوم إمكانيات جدية لإقناع تونس بما تراه حلا لموضوع الصحراء، قد يدفع الخليج المتقارب معها ثمنه إن هو مد العون للتوانسة في ضائقتهم المالية. وللجزائر فرصة الاستقطاب أيضا لو أنها تستثمر بحذق في المبادئ التي تجمع بين الشعبين، ولتلكم المبادئ رجال، قد يكونون اليوم في السجون أو يحاكمون.

 

عندما يتداعى نظام حكم لا بد أن يبني على أنقاضه نظام آخر محكم المفاصل في كل جوانبه. وقد تكون إشارة الرئيس قيس سعيد إلى حاجة البلاد إلى "فكر" تمييع لحق الهدمى الذين سقطوا في سيدي بوزيد وتنصل من المسؤولية، ولكنه في منظور آخر طرح صحيح، يوحي بافتقار القادة التونسيين إلى محجة بيضاء لبناء دولة ليس أمثال قيس سعيد فيها قطعا، ولا أمثال "الترويكا" التي عبرت بتونس إلى هذا المرفأ الخطأ. والعتب على حركة النهضة التي عربت المسيرة وهي التي تمتلك مشروعا نهضويا لتونس ولغيرها بيد أنها عطلته، وخاب "اجتهادها" في الدمقرطة عندما وقف راشد الغنوشي أمام بوابة برلمانه الموصد بالسلاسل والدبابة عاجزا عن دخوله وممارسة مهامه.

 

التخويف بالتاريخ لا مفعول له مع قضاة باعوا ضمائرهم للطغاة، كان المظلومون في سالف العهد يتضرعون بالدعاء إلى خالقهم فينصفهم من ظالميهم، ولقد قال الشافعي (رحمه الله) في ذلك قولته العرفانية المشهورة:

أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما *** يدريك ما صنع الدعاء

سهام الليل لا تخطئ ولكن *** لها أمد وللأمد انقضاء

حركة سيدي بوزيد فجرت ثورة قادت الشعب التونسي إلى التحرر من الاستبداد، وكذلك فعل السوريون، وفي كلا التجربتين كان ابن علي والأسد يحملان سيفا واحدا يضمن لهم البقاء هو محاربة "الإرهاب".

 

آلاف المصريين الذين وصلوا إلى معبر رفح وهتفوا لغزة ساعات ثم عادوا أدراجهم ولم يخلعوا الباب يتحملون مسؤولية تاريخية تضاهي مسؤولية القادة المصريين، الذين لا يستأسدون إلا في الإعلام. الحدود حواجز وهمية، وإسقاطها ما سيكشف للناس الحقيقة، وجدار برلين الذي حطمه الألمان أمثولة حية لما تعي الشعوب واجباتها الحضارية.

 

جزيرة الوراق لعلها ستكون "سيدي بوزيد" أخرى، ولعلنا سنفرح مرتين ببركة طوفان الأقصى. ما يروجه عملاء النظام المصري في الإعلام عن المشروع الاستثماري الإماراتي، المدفوع ثمنه سلفا، على الجزيرة محض تقارير مخابراتية مخادعة، تزدري نعمة الإنجاب عند أهلنا المصريين وتعير قومها بها، ودول كافرة أكثر منا تقدما تفتقد هذه النعمة وتشجع عليها، وإنها لمن أجل ما في الأرض من النعم.

 

إن بيت العائلة فكرة خارقة، أدركها الشعب المصري بفطرته السليمة التي لم يمسخها الظلم والاستبداد ولم تعمها دماء الأبرياء التي أزهقت في رابعة والنهضة، بيت يلم بين حيطانه شمل عائلة قريبا من أرضها. ثم إن الجزيرة تجمع بين الخضار والعمران، وأفضل الرزق ما كان من أديم الأرض، وأفضل الأرض ما كانت قريبة من الديار. فهل من الحكمة أن نخرج أهل أرض من بيوتهم ونأتي بآخرين! إنها فكرة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض في إطار استثماري رأسمالي، وهوى يتماهى مع أطماع في غزة يقول بها الرئيس الأمريكي.

 

إنه لا يرعوي الطامعون في ما صنعوا بالضعفاء عن أكل أموالهم بالباطل، وشرب عرق جباههم بالتضليل. بئس السياح قتلة الأطفال في غزة! وبئس السياح من يبيع شرفه للأمريكان والصهاينة بعرض من الدنيا قليل! على أهلنا المظلومين في الجزر أن يصبروا ويصابروا ويرابطوا، وليستعينوا بالله على دفع الصائل عنهم، فإن لهم سهاما بالليل قاتلة.

 

يقرأ بعضهم في التاريخ الإسلامي المشرق ولا يأبه أن يصف الخليفة الأموي بالسوري! هذا من القمصان الضيقة التي تلبس للماضي، ولعل أغلب هؤلاء لا يقدم شهادة واحدة من التاريخ كما رواها أعمدة التأريخ. ثم إن عامة أيام الملك كانت مستقرة وقلة هي أيام القلاقل، أما سائر مرافق الحضارة فقد كانت راقية وتتمتع بالنماء والازدهار؛ لذلك فإن تصوير الخلافة كنظام شرع في التداعي مع خلافة معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) فيه تلبيس كبير، خاصة وأن هنالك من لا يقرأ في معاوية إلا امتدادا للخلافة الراشدة.

 

المركزية والكيان الوحدوي في ظل مبادئ الإسلام السمحة أفضل خيار لأهلنا في الشام، أما اللامركزية والديموقراطية العلمانية فلن تحمي الناس ولن تبني مستقبلهم، والتاريخ مليء بالشواهد. وعلى كل حال، فالهَجَري مرجع ديني لدى الدروز، يعلم قول الله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}، فليفسرها لنا وسنكون له من الطائعين.

 

من وجد في مظلة الإسلام حامية تحميه، ولو كانت من المغرب آتية، إبان الفتنة التي عصفت سنة 1860م بين الدروز والموارنة، فلا يخشين على نفسه أن تظلمه الكثرة المسلمة، فإن في قصة الأمير عبد القادر الجزائري عبرة رائعة، تستحق أن تقرأها الأجيال الحائرة.

 

لم يسبق لتركيا أنها تحملت واجب المواجهة مع الكيان ولو لمرة واحدة، أسطول الحرية الذي كان متوجها لكسر الحصار عن غزة تحطم على عين القيادة التركية ولم تحمه، ولم تغامر بإرسال أسطول ثان رغم تهديدها بذلك. القوة الناعمة تتحرك في حدود المتاح المسموح به، والراعي الأمريكي الجمهوري متغير المزاج ويتداول الحكم مع الديموقراطي، ومحاربة "الإرهاب" فرس رهان صعبة المراس وشماعة لم تعد لها سوق.

 

المظلة التي سيجتمع تحتها الأفرقاء لينطلقوا في مسيرة واحدة نحو مستقبل واعد لا بد أن تكون متينة لتجابه العواصف والرياح. رموزية "ملاذغرد" لا بد أن تلقي بطيفها على الفكرة القائدة التي تحدو بالأتراك والأكراد والعرب، وإلا فالزمان كفيل بتشتيت المسيرة وتفريق الجموع.

 

ولم لا؟ بل من حق حماس أن تطالب بالتعويض عما جنته بريطانيا من وعدها المشؤوم في تمكين فلسطين لليهود كذلك. حتى وإن خسرت حماس الدعوى القضائية في بريطانيا بتصنيفها إرهابية فالعالم الآن قد تغير، ومن لم يستبق في يده أوراقا ضاعت منه إلى الأبد.

 

هذا زمان المصطادين في الماء العكر، الأحرار لن يقدموا على محاربة الحوثيين في مثل هذه الظروف، بل إنهم سيتحالفون مع كل أبي، خاصة وأن الحوثي يقاتل دون الأمة وشرفها في هذه المعركة المقدسة. على كل حال، طرق الإمداد كثيرة، ولن تستطيع جموع أبي رغال أن تسيطر على المرافئ والمضايق، لأن "القوة الرمي" كما قال سيد الخلق.

 

عصرنة المملكة الأردنية الهاشمية لترقى رقي الأمم المتحضرة يتطلب قبل الخطط رجالا في الدولة واعين بحق شعبهم في النهضة، ويمتلكون رؤية واقعية تستند إلى العلم وتراعي الخصوصية الثقافية. إن ما يقع من تحديث في الأردن أو في ما سواه خبط عشواء، لا إرادة كافية فيه، ويفتقر إلى الرجال الأتقياء.

 

بعض المفكرين كمن يصيح في واد أو ينفخ في رماد. الوطن العربي تلزمه قيادة واحدة تحرره من الاستبداد وتعيد له بهجة الحياة التي سلبت منه. وباقي المشاريع العمرانية ستأتي تلقائيا بعده. لقد شُيّد خط السكة الحديدية دمشق - المدينة المنورة (على ساكنها أفضل الصلاة والسلام)، بأمر من الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني بنية تهوين المشاق على الحجيج، ثم قامت الثورة العربية الكبرى فدمرته؛ إنه من يتأمل في النشأة والمآل، يدرك يقينا بأن منطقتنا لم تكن مبتورة الصلة عن أمتها الإسلامية، المصبوغة بصبغة روحية لا علمانية ولا قومية.