على مدار الساعة

آراء تضللها المشارب والأهواء

18 أبريل, 2025 - 16:13
بقلم: عز الدين مصطفى جلولي - كاتب وأستاذ جامعي جزائري

في الفكر

الحرية مفهوم هيولي، تفتقت عليه ميولنا لما قرأناه بسطحية في تلكم المواثيق غير الواقعية. وما عسى المخدوع بها أن يقول، بلا مواربة، في اعتقالات تحدث في بلد الحريات باسم معاداة السامية؟ إننا لن نكون ملكيين أكثر من الملك. وإننا لنظلم طالبان حينما ننمط المفاهيم، فتجربتها "البدوية" تستحق أن تدرس بعمق وحكمة، فـ(ما في البداوة من عيب تذمّ به... إلّا المروءة والإحسان بالبدرِ)، كما قال الأمير عبدالقادر الجزائري.

 

الفرقة تذهب الريح كما ورد في البيان الإلهي، والعودة إلى الفطرة ليس اختيارا لحظيا وإنما هو مبدأ لا يتزعزع؛ لذلك ينتصر أصحابه دوما ولو بعد حين. ولكن كيف استطاع من يعشق التنسيق بين الألوان المتنافرة أن يلج صراعا ليس من ورائه طائل، كصوت لليبرالية الاجتماعية ذات طابع يساري في مجتمع محافظ يؤمن بالله"!!

 

تبقى المعايير التي نقيس بها جودة الحياة، أي حياة، هي الفيصل في الحكم على الأجيال. فإذا كان هذا الجيل قد "تفوق" على سالفيه في التكنولوجيا وسرعة التعلم... فهل استطاع أن يحول مكتسباته إلى سلوك صالح؟ وإلى شعور بالمسؤولية اتجاه أسرته؟ وإلى اكتفاء ذاتي؟ وإلى تحرير مجتمعه؟ وتحصين دولته؟ وهل فهم حقا معنى التحضر وخطا نحوه؟ وفي المقابل، ما حجم الفائدة التي يجنيها من أدمن المواقع مقارنة بالساعات التي يقضيها؟ وما مقدار التفاهة من اهتماماته لقاء الجودة المطلوبة لتنمية قدراته؟ وهل استطاع حقا أن يوجد توليفة ذكية بين أصالته ومعاصرته؟ وما إلى ذلك من مؤشرات ضرورية كيما نذم جيلا من الأجيال أو نمدحه.

 

إذن من جيّر الولايات المتحدة والغرب عموما ليبيعوا الوهم بدهاء في مجتمعات أوغلت في التمدن كثيرا؟ إن تسليط الضوء على الخلفيات أفكارا وشخوصا يكمل الصورة في هذا العالم الظالم. ثم كيف استطاعت الحكومات في عالمنا الإسلامي أن تفعل بشعوبها ما فعله الغربيون؟ وما طبيعة الاستجابة التي أصدرتها هذه الشعوب؟ وكيف لها أن تعي وتتحرر؟

 

المراهنة على مظلومية المرأة والتباكي عند أعطانها حيلة يتخذها ومن يتخذه وإياها حبائل للوقيعة بالناس، أخذت في الفترة الأخيرة بعدا منظما غزا الأسرة المسلمة وخبب النساء. النَسَوية فكرة هدامة وتيار جارف أتى على الأسرة الغربية فلم يبق لها ولم يذر، ويمم شطر العالم الإسلامي فاستهدف الأسرة، وهي من قلاعه الحصينة وخطوط دفاعه المكينة، عبر مواقع التواصل كافة آخذا أشكالا كثيرة جذابة. لقد نالت الدعوات النسوية قسطا كبيرا من اهتمام المرأة، وعزفت على أوتار حساسة خبرها أرباب الشر في طباع النساء عن قرب؛ فكانت نتائجه ضارة على أمتنا لا شك في ذلك ولا ريب.

 

طاعة الزوج وحسن التبعل والقرار في البيت ونبذ التبرج وعدم الخضوع بالقول أخلاق اهتزت في النفوس، فغدت النساء تزاحم الرجال في أعمالهم وترغب في القوامة دونهم وتستحوذ على العصمة من بين أيديهم، وما آل إليه ذلك كله من طلاق وتعنس ورغبة عن الزواج؛ فقل النسل وارتفع معدل الأعمار وظهرت الأوجاع، رغم الحاجة الملحة إلى الزواج لعمارة الأرض وحماية الحوزة لتستمر الحياة.

 

إن علامات الخطر على مجتمعاتنا قد لاحت لكل ذي ناظرين، ولا مناص من التشمير على سواعد الجد والاجتهاد لتدارك الحسنيين: مدافعة النسوية عن بناتنا، والمسارعة في العودة إلى أصولنا.

 

وفي السياسة

لماذا نأسف على تداعي النظام الاقتصادي العالمي وما كنا إلا خدما فيه؟ نستهلك منتجاتهم ونمدهم بالمال لتستمر الناعورة في الدوران؟ وما جدوى البكاء على النظام السياسي الغربي الذي خدع العالم بمثاليته وأهله اليوم قد استنكفوا عنه؟ فلنتحسس مواقع قدمينا لنعرف أين كنا وكيف أصبحنا. مع التنبيه إلى أن تذييل المأسوف عليهم بـ"ستان" ظلم لأهل أرض أذلت غزاة ثلاثة، وخرجت منتصرة لم تستبدل ثقافتها بعرض من الدنيا قليل.

 

السؤال الجوهري الذي يطرح بجد، هل سيبقى الاتحاد الأوروبي متماسكا في ظل هذا الضغط الهائل عليه من الشرق والغرب؟ وهل ستصلح حزم المساعدات الإنقاذية ما أفسد الدهر، خاصة وأنها جاءت في وقت الشدة ولم تذهب إلى الشركاء المهمشين في وقت الرخاء؟ يتعاطف بعضنا مع كيان ظلم الشعوب طويلا وأمله أن تدوم له الحياة وهو في مرض الموت، فأين مصالحنا الاستراتيجية من كل ذلك؟

 

نحتاج إلى من يولي تأثيرات الحرب على حاجات الناس الاقتصادية المباشرة بعض الشرح، أما تداعياتها على البورصات والذهب وما شابه فلا يأبه لها القارئ العادي كثيرا لفهم مخاطر ذلك على حياته اليومية الهشة.

 

إذا كانت مئات الملايير التي اشترى بها ابن سلمان أسلحة تدميرية لا حاجة للمملكة بها من الولايات المتحدة "لا شيء" بالنسبة للسعودية بحسب ما قال "ترامب" يومها، واضعا صورة تلكم الأسلحة على فخذي ولي العهد، فماذا تعتبر خمسة عشر مليون دولار تدفعها المملكة عن سورية إلى البنك الدولي؟

 

بيانات الأمم المتحدة إنشاء لا أثر لها في الميدان، وطلب الالتفات للضحايا من القتلة أنفسهم طلب محال، لأنهم مقتنعون بأن الفرصة مواتية جدا للإجهاز على المقاومة، وليتهم اتعظوا من التاريخ. الفاعلية الحقيقية يمتلكها هذا العالم الإسلامي المكبل بتركة الاستعمار والاستبداد، والمزية لديه، فيمن يهتدي إلى طريقة ما تحرره من قيوده التي في رجليه ويديه.

 

لم يكن المتقاتلان، الخميني وصدام حسين، زعيمين مستبدين قادا أمة لهلاكها، بل كانا يمثلان ثقافتين انتحاريتين لا تقبلان بالتنوع. الشيعية المتعصبة والقومية المعلمنة هما من أكلتا أمخاخ الشباب، الشباب الذي لم يتعلم من الينابيع الصافية كيف يخطو ليحيا سعيدا. ثم إن أحدهما بعد الصلح تحين الفرصة فالتهم الآخر، وجاء الدور على الآكل ليؤكل، فمن الذي سيبقى ليرث الأرض من بعدهما يا ترى؟

 

قتل النفس بغير حق يولد الانتقام والثارات، وهذا آخر ما تحتاج إليه إيران وقد تداعى الأكلة إلى قصعتها. من السياسة الشرعية مراعاة مصالح الطوائف كافة، وعدم الانجرار وراء الحكم وسكرته، لأنه سينحصر ويزول، ثم تعود للعقل فكرته.

 

إيران لن تسحب دعمها لمن بقي يعمل من أذرعها، فدعمها لها عقيدة، ولها في ذلك طرق كثيرة متباينة. "أوباما" أنجز اتفاقا مع الإيرانيين و"ترامب" أفسده، ولا شيء يمنع من عودة الديموقراطيين إلى البيت الأبيض. عامل الزمن مهم، وإيران تحسن استغلاله. "ترامب" يبيع ويشتري، ولا أظن أن التفاوض على غير السلاح النووي كالنفوذ والعسكرة سيحول دون صفقة تقوم على المال والأعمال. أما أهلنا في الخليج، فيمارسون السياسة كما يمارس الرياضة الهواة.

 

ليست التصريحات وحدها ما يثبت عدم امتلاك إيران السلاح النووي. عندما يكون النظام الإيراني مهددا بخطر السقوط يطرح هذا السلاح بقوة؟ علما بأن الصواريخ الباليستية استخدمت في استحقاقات كبرى، كمقتل سليماني ونصر الله، ولم تردع الصهاينة عن التحرش بإيران. كيما نصل إلى مربط الفرس، السياسية الإيرانية الراغبة في الاستحواذ على المنطقة دون أهلها الشرعيين، ذلك هو مقتل النظام الإيراني الذي لا يرعيه انتباها.

 

دواء المعاناة من واقع الحال الذي نعيشه موجود، وتعاطيه لمن أحب ميسور، وذلك في الخبر نقله الإمام البخاري في "صحيحه": "ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة".