{فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء} صدق الله العظيم.
آثرت أن أبدأ مقالتي بهذه الآية، لا عبثا، ولا تقربا لأثير به مشاعر وأغيظ به أخرى، وإنما هو بدافع الحق والواقعية التي غالباً ما تستدرجنا بلا حدود.
أما آن الأوان لمن سلكوا درب الوهم والتنكر وإثارة الفتن، وتحريك المشاعر، والتغرير بالآخر وإشعاره بالغبن والتهميش، أن يحطوا رحالهم قليلاً، ويستعيدوا ذكريات طفولتهم على هذه الأرض الطيبة، حيث شبوا وترعرعوا حتى شاخ بعضهم، ليمطروها بوابل من الجحود، والتفرقة والتشويه؟، ألم يكن بين هؤلاء حين ألقوا حبالهم وعصيهم، رجل رشيد؟
هل من المنصف حقا أن يستدعي هؤلاء الدمار والخراب، لبلادهم بلون ضبابي جديد، يمتزج بمرارة الخيبة، وعلو الصوت المبحوح المفضوح، واستيراد الخطر عن طريق التحريض، والتشكيك في مصداقية من هم أكثر حضوراً ويقظة وواقعية..؟
هل من الحكمة الاستخفاف بالعقول، ومحاولة الالتفاف على ماهية وغايات الأهداف النفسية قبل الذاتية بصيغة مباشرة أو غير مباشرة، والتي لا ترد مطلقاً في قاموس وأبجديات من هو أكثر ذكاء، وفطنة وجمع بين مفهوم التأسيس والصناعة والصيانة لعقود من الزمن؟
تضعني هذه التساؤلات الكبيرة، أمام مقولة رائعة لأحد الفلاسفة والمفكرين الغربيين (نيتشه) في المجال الاجتماعي، حين يقول "الرعاع اعتنقوا معتقداتهم بدون براهين، فكيف يمكنك أن تقنعهم بزيفها من خلال البراهين؟".
إن الإقناع في سوق الرعاع لا يقوم إلا على نبرات الصوت وحركات الجسد، أما البراهين فتثير نفورهم.
إذا أي إقناع وقناعة سيمتثل لها هؤلاء بعد شهادات موثقة، من قبل أصحاب القضية يشيدون فيها بجودة العلاقات مع بلادنا وليس هناك دواع للالتفات إلى الشائعات! إلى متى سيقتنع هؤلاء، عندما وقف أصحاب القضية ببراهينهم إلى صفنا؟، هل لم يبقى لهم ما يفتدون به أنفسهم، غير محاولة فرض واقع جديد، لآخرين لا تربطنا بهم أي صلة غير ذات البين؟
ألا يعي هؤلاء كمواطنين حقا، مفهوم الوطن والانتماء، إلى جانب مطالبهم الأخرى خصوصاً عندما تكون المسألة ذات أبعاد سيادية وأمنية ووطنية، هل هي مفاهيم كبرت عليهم حتى نسوا عين اليقين.
ماذا نأمل من هؤلاء المدربون على حفظ النبرة والكلمة والحرف، حتى وإن أبدوا حسنا، لا يتمنونه ولا يعنونه، مجسدين ذلك في أخطر المعاني والمفاهيم الرديئة؟، لكن عليهم أن يتذكروا دائما هذه الآية {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}، فمقابل كل رديء ضده حتى لو بلغ السيل الزبى، ومهما كانت قوة عزمهم ومكرهم التي باتت مكشوفة ومفضوحة للجميع.