إنهم يألمون كما تألمون
إنها مباهاة المدنية المعاصرة بالموت والخراب، فما تجدي البشرية نفعا حضارة شعارها العلم والرفاه، وقادتها يتصارعون وفي أيديهم مثل هذه المهلكات؟!
صاروخ واحد من اليمن السعيد يفعل كل هذا؟ ما شاء الله! فكيف بهم إذا انطلقت صواريخ من إيران والعراق وسورية ولبنان، واشتبك النشامى من الأردن ومصر والضفة و48؟
المقاومون يحسنون تخير الأوقات التي تنفخ فيها أبواق الصفارات، فتسعد أهلنا الصائمين القائمين في مرابطهم، وتفسد على الصهاينة هدأة الليل والنهار، فلا نامت أعين الجبناء!
لا تمتلك الولايات المتحدة في هذا الصراع غير التفوق الجوي، والبري لها فيه فشل تاريخي. أما خصومها فسادة على الأرض، ويتحكمون جيدا في المضايق، ولن تنال منهم كثيرا هذه الضربات وإن طالت. يبقى الغباء السياسي من الطرفين: كيف للأمريكي أن يربح حربا خسرها التحالف العربي المدعوم غربيا، وكيف للحوثي والإيراني أن يصارع قوة عاتية وحده دون سائر الأمة؟!
ليست إنجازا تصفية عناصر أي تنظيم من عقيدته حب الموت، المهم في محاربة هذه التنظيمات القضاء على مبررات وجودها وعنفوانها، وعلى رأسها الوجود الأجنبي غير المشروع، وتحقيق العدالة بمفهومها المشروع.
وترجون من الله ما لا يرجون
التسليم بقدرة الغرف السوداء على العمل فينا كما تريد وجهة نظر تفترض الجانب السلبي من مآلات الأمور، أما الجانب الإيجابي فكثير، وهو أرجح الكفتين على ما يبدو. من ذلك مثلا التعاون السوري - التركي يبشر بالوحدة بين البلدين مستقبلا، وقد يجد لبنان نفسه منجذبا إليهما. الأفغان مستعدون للقتال كما عهد الأمة بهم، والإيرانيون قد يعيدون حساباتهم ويفعلون الفكر الحسني ليلتحموا بالأمة، فيقلبوا الطاولة على الأعداء.. وحينذاك ستجد الفصائل المقاومة نفسها رأس حربة لجيش واحد لا يقهر بإذن الله! ولكن كيف تسمح طوائف من الجنوب السوري لنفسها أن تكون حصان طروادة للصهيونية المجرمة؟!
كل من تجرأ على مقارعة قوة قاهرة اعتدت على بلده بعقيدة وصبر ينتصر، وسيجد من يثبطه دائما، جرى ذلك في الجزائر، وفيتنام، وأفغانستان.. ولو كانت هذه الأخيرة تصارع الصهاينة لأنهت النزال لصالحها منذ زمان. مصر تدفع ثمن خذلانها غزة، ولن تنتصر فئة تحالفت مع الأجنبي ضد شعبها.
الحوثيون وحدهم اليوم من يحمل الراية، وقد فهم العدو اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان وغزة انتصارا له وانهزاما لنا، ولن تردعه الدبلوماسية. العدو إن لم يدفع أثمانا من حياته وأمنه سيظل يقتل ويعربد. لقد بذل المقاومون في تلك الأكناف المباركة ما استطاعوا من جهد وتضحية، وساندهم في ذلك إخوان لهم من لبنان واليمن والعراق... ولا يزال معظمهم صابرا محتسبا يترقب ساعة قدرية يزهق فيها الباطل وينتصر فيها الحق. فهنيئا لهم الشهادة!
الأمة تنتظر المؤازرة من الإخوة في الإصلاح والقبائل اليمنية الأخرى، فالساعة ساعة مرحمة مع الإخوان ملحمة مع الطغيان. قال السموأل:
إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ *** قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
جزى الله أي مجاهد عن أمته خير الجزاء، وأنصح أهلنا في اليمن بالعمل على الوحدة مع استمرار الإسناد، وتجاوز الخلافات التي شرذمت الأمة الواحدة، فالأحرار كثر، وخاصة في بلاد الشام، حيث الثغر المطل على فلسطين.
من أين نؤتى؟
إذا لم يقدر الله عز وجل لهذا الجيل أن يفرح مؤمنوه بنصر الله في فلسطين، فكيف ستتلقى الأجيال القادمة الأمانة، أمانة تحرير الأقصى وعودة القدس إلى حضن الأمة؟
ولئن تأخر النصر الموعود لا سمح الله، فإن الأجيال القادمة من المجاهدين ستستدرك ما فات وتصلح ما فسد إن شاء الله! إن الفرقة بين أبناء الأمة المحمدية كانت أهم سبب أخر النصر، الفرقة المذهبية والسياسية والفكروية..
لنكفف دموعنا على الأموات من الجيوش "الإسلامية" المحنطة، يكفي أنها من أعوان الظلمة وستبعث كذلك إن شاء الله!
من الأخطاء الاستراتيجية التي وقع فيها حزب الله حصر المقاومة فيه والسلاح بيده، ولو ترك الأمر على طبيعته في حق كل من ضره الاحتلال أن يقاومه، لكان اليوم في سعة من التجاذبات. خطوة واحدة تقلب الطاولة على المتربصين بلبنان لزجه في الخيانة العظمى التطبيع، أن يتخفف الحزب من تركته الثقافية المتعصبة ويتحالف مع محيطه السني في المنطقة كما تحالف مع النظام السوري البائد، فيستفيد من مروحة واسعة من الداعمين والمظاهرين، من الحكمة البالغة أن ندرك هذا الرجاء الآن، الآن وليس غدا.
لا بد أن يحافظ حزب الله على معادلة الردع، وإلا سيصطاد العدو قادته كالبط في محاضنها، وإذا اعتاد العدو الصهيوني على ذلك فإنه سيرسخ قواعد اشتباك جديدة تخدم عربدته وحده. ويقال مثل ذلك عن الجنوب السوري بعد تغلغل الاحتلال في أراضيه وسعيه ربما لتأسيس "ميليشيا لحدية". خطة جهادية بسيطة يمكن وضعها بين حزب الله والقيادة السورية على مائدة إفطار واحدة.
سبحان الله! العسكرية لا عقل لها، مسلمان سودانيان صائمان في رمضان يفني بعضهم بعضا ويتحدثون عن نجاحات بدخول قصر استحال إلى خراب، والصهاينة يبيدون إخوانهم في غزة!
عزم السيدة رغد على إعادة تجربة أبيها الراحل صدام حسين في العراق، من خلال "بعث" جديد، لن تنجح، لأن الله تعالى استخلف من بعده على العراق آخرين لم يحسنوا إليه أيضا. كلمة حق نطقت بها لم تلق لها بالا، حينما وصفت العراق ببلد "الأئمة والعلماء"، فهم الأولى بإعادة العراق اليوم إلى حضنه الطبيعي وتاريخه المجيد.
تفجير القنبلة النووية في تجربة استعراضية هو ما يخلط الأوراق، أما دون ذلك فإيران ليس لها خيار إلا التفاوض والقبول باتفاق فيه أقل الضرر. إيران الخميني لا تواجه، ولا تحمي حلفاءها، وتفضل السلامة واستمرار النظام على مجازفة غير محمودة العواقب. هذه هي "ثورة الحسين" كما فهمها التشيع الفارسي في نظرية ولاية الفقيه.
خيار القوة تدفع به الولايات المتحدة خيار التفاوض، إذا لم تصل الترامبية إلى الحد الأدنى مما تريد من إيران، النووي وضبط الحوثي، فإن الحرب متوقعة جدا، خاصة وأن الولايات المتحدة لن تمسها النار لبعد يد إيران عن أراضيها، خلافا للكوريين الشماليين الذين لا يتحرش الرئيس الأمريكي بهم هذه المرة خلافا لولايته الأولى.
لن يعطي النظام المصري لشعبة وأمته ما يقول إنه أعطاه أو سيعطيه. التحشيد في سيناء امتصاص ضغط شعبي وتنبيه لطيف للساسة الصهاينة لا أكثر، لأن الحروب أصبحت هجينة وليست تقليدية كما يستعرض الجيش المصري. أهلنا في مصر لا يقومون بواجب النصرة كما يجب، ولا يدفعون بالنظام القائم عندهم إلى الرجولة قليلا. إن تعذر على السيسي تلبية ما يريد "ترامب" في غزة فلن يستطيع القول لا إن تعلق الأمر بدفع المال لقاء "تسليك" القناة، لقد أعطت الكويت ربع ما تنتج ولا تزال، وأعطى ابن سلمان بلا حساب.
التظاهر في غزة ضد القيادة التي تقود الحرب تول يوم الزحف، عندما تضع الحرب أوزارها سيكون لكل حادث حديث. والمهم قبل ذلك ألا تكون عميلا لدى "ترامب" أو عاملا في شركة "ريفييرا".
هذه هي نفوسنا على سجيتها، ولا نستطيع أن نخفيها، نسالم من سالمنا ونعادي من عادنا. وعلى الصهاينة أن ينتظروا الصواريخ الاستراتيجية من وسط آسيا في قابل الأيام. إنه ليس لكم إلا الرحيل وترك البلاد لأهلها بسلام، قبل فوات الأوان.