على مدار الساعة

أربع سنوات من حكم فخامة الرئيس... تقييم من خارج المعارضة والموالاة

4 أغسطس, 2023 - 15:44
بوبكر أحمد,

لقد كفانا فخامة الرئيس الحالي - مشكورا – الجدل حول المعايير الموضوعية لتقييم أداء نظامه خلال السنوات الأربعة الماضية حيث قدم في سابقة من نوعها برنامجا انتخابيا مكتوبا وواضحا (تعهداتي)، وبالتالي فإن نسبة المنجز من هذا البرنامج تمثل النتيجة الموضوعية للتقييم التي لا يمكن أن يرفضها أو يجادل فيها إلا من تمنعه مصلحة شخصية (وما أكثرهم) أو ذباب الكتروني تابع لهذا الطرف أو ذاك.

 

يدرك الناظر في كتاب تعهداتي ببساطة أن الغالبية العظمي إما لم يكتمل إنجازها بعد أو لم يتم الشروع فيها أصلا (100 ألف وظيفة جيدة – 10 آلاف وحدة سكنية – الصرف الصحي لمدينة نواكشوط ونواذيبو – بنك وتأمين زراعي - صندوق لتمويل الصيد التقليدي - تزويد جميع البلدات الريفية بالماء الشروب – إنشاء وكالة لتمويل الاقتصاد الاجتماعي- 23 عامل صحة لكل 10000 ساكن... وغيرها).

 

قد يقول قائل إن الأزمات (كورونا – الحرب الروسية الأوكرانية) كانت عائقا في وجه النظام الحالي، وهي دعاية تجانف الصواب بحكم أن هذه الأزمات زادت من ارتفاع أسعار صادرات بلادنا (الحديد والذهب والاسماك...)، وأن النظام الحالي تمكن خلال هذه السنوات من جمع ميزانيات ضخمة (لم يسبق أن جمعها أي نظام في تاريخ البلد) قاربت في إحدى السنوات الترليون أوقية، كما أن الكثير مما تضمنته تعهداتي هو إصلاحات قانونية وتنظيمية وإدارية لا تأثير للظروف العالمية فيها مثل (منح رخص الصيد علي أساس منافسة – فصل الوظائف الفنية والسياسية - تعزيز آلية الشفافية للوصول إلى الوظائف العمومية - تفعيل التحكيم – إصلاح تشريعات العمل - تطبيق النصوص القانونية التي تحمي النساء - إدراج التراث في المقررات المدرسية - مباريات رياضية فيما بين المدارس - برنامج "المعلم النموذجي" - رفع حصة التعليم إلى 20% من الميزانية - مكافحة الفساد... الخ).

 

إن مجموع ما تم إنجازه بالفعل وما شرع في إنجازه ولم يكتمل بعد، من لائحة (تعهداتي) لا يتجاوز - بكل أسف - 10% تقريبا، وبالتالي فان النتيجة الموضوعية للإنجاز بالفعل بالكاد تصل 1 من 10 أو 2 من 20 وهي نتيجة لا تخول غالبا المشاركة في دورة تكميلية ولا تمنح فرصة للإعادة!!

 

إن حصيلة الإنجازات المحدودة جدا وغياب أي إصلاحات جديرة بالذكر منذ 2019 أدى إلى تسارع وتيرة التدهور الشامل الذي يعاني منه البلد منذ عقود والمتمثل في استمرار فقدان البوصلة (تنمويا واقتصاديا) بسبب تبديد موارد الدولة عبر سلسلة من الاختيارات المدمرة تعتمد أساسا على التركيز المطلق على السياسة بدل الازدهار الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي يتم (اعتبار الإدارة والاقتصاد والتنمية مجرد امتيازات يتم تقاسمها بين السياسيين من بقايا الحركات السياسية والوجهاء الاجتماعيين التقليدين وكبار التجار... من أجل حشد أكبر دعم شعبي للنظام والحفاظ على السلم الاجتماعي!)

 

هكذا كانت المعالم الرئيسية للشق السياسي خلال السنوات الأربع الماضية تتمثل في (تصفية المعارضة، فقدان ثقة المواطن وتزايد حدة الصراعات بين أحلاف الموالاة...) حيث:

  • انتهج النظام استراتيجية (تهدئة سياسية) قبلتها المعارضة بدون أي مقابل سياسي (وهو ما يعني ضمنيا التخلي عن مبرر وجودها الأساسي) إذ لم تكن محل اتفاق سياسي مكتوب أو تنازلات معلنة من طرف النظام ولا مقابل إنجازات محددة لصالح الشعب... بل مقابل لقاءات ومشاورات لم نسمع يوما أنه تم خلالها طرح مشاكل للمواطنين أو أدت إلى ثني النظام عن بعض قراراته أو سياساته...!  وبالتالي لا غرابة أن أدت هذه التهدئة لتصفية ما كان يسمي بالمعارضة بشكل نهائي وإلى الأبد.

 

  • هذه التهدئة جعلت الخريطة السياسية تتكون بالأساس من حزب حاكم كبير مسيطر يستمد قوته من (أن فخامة رئيس الدولة هو مرجعية الحزب. والتداخل بين أجهزة الحزب وأجهزة الدولة وبالتي توظف لحسابه) وأحزاب معارضة (منتحرة جماعيا) تخلت عن خطابها بدون مقابل سياسي واضح! وعشرات الأحزاب والكيانات الوهمية خلقتها واحتضنتها الأنظمة السابقة من أجل تمييع الحياة الحزبية وخنق وإعاقة كل محاولة لبناء ديناميكية مجتمعية مستقلة.

 

  • هكذا أصبح الحقل السياسي مفصولا عن المجتمع لا يعبر عن طموحاته ولا يطرح مشاكله إذ لم يعد سوي تبادل لأدوار بين كيانات فاقدة للمشروع المجتمعي الواضح تتماهي مع النسق السياسي للدولة تنفذ وتبرر اختياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من مختلف المواقع سواء من داخل الأغلبية أو المعارضة خدمة لمصالح شخصية ضيقة!

 

  • والأخطر مما سبق جمود - غير مسبوق - للخطاب السياسي حيث أصبحت المعارضة على وضع الصامت وعجزت الأغلبية عن تطوير أي خطاب يتماشى مع الواقع، بل بالعكس تمت إعادة إحياء شعارات وبرامج سياسية منقرضة (نداء جول وخطاب ودان على غرار خطابات النعمة التاريخية، والبذخ في المناسبات الاجتماعية على غرار حملة المطالعة والكتاب... الخ).

 

 

  • ورغم التهدئة مع المعارضة (أو التصفية الصامتة إن صح التعبير) زادت حدة الاستقطاب والصراعات داخل الأغلبية التقليدية (وهي صراعات تستمد جذورها من خلفيات اجتماعية ومصلحية ضيقة) وبرزت في كل مدينة عدة أحلاف متصارعة يتزعمها بعض كبار الموظفين الساميين وهو ما تسبب في مزيد من تبديد المقدرات وعرقلة التنمية في الداخل واستنزاف الجهاز الإداري للدولة في صراعات عبثية لا طائل من ورائها.. وبدل السعي إلى تصفية هذه الصراعات (خدمة للتنمية) تمت تغذيتها عبر الاستمرار في اعتماد نهج ضيق في اختيار كبار المسؤولين يشبه محاصصة اجتماعية غير معلنة على حساب الكفاءة والاستقامة.

 

  • طبعا كل ما سبق تسبب في اهتزاز ثقة المواطن في كل ما هو سياسي وانتقال مركز الفعل السياسي من الفضاء العام التقليدي إلى الفضاء العام الافتراضي وبرز بشكل لافت خطاب شعبوى خطير ذو طابع فئوي تجزيئي - لا يراعي قيما ولا أخلاقا - وجد في وسائل التواصل الاجتماعي قنوات ناجعة للتعبير والترويج،

 

في الشق الاجتماعي والاقتصادي كانت 4 سنوت بامتياز من (ضرب القدرة الشرائية للمواطن، سحق الطبقة الوسطي، تمويل عجز الميزانية عبر مزيد من الجباية على المواطن ...) حيث:

  • تمت المواصلة على نهج النظام السابق (تمويل عجز الميزانية من زيادة الجباية على المواطنين) وهو ما شكل خلال الأربع سنوات الماضية الضربة القاضية على القدرة الشرائية للمواطن و تسبب في نسف جميع جهود مكافحة الفقر المبذولة منذ التسعينات،
  • فخلال  النصف الثاني من عشرية الرئيس السابق تم اتخاذ بعض القرارات الاقتصادية (و التي كان دافعها الأساسي حشد التمويل لمواصلة المشاريع الكثيرة في البنية التحية بعد انهيار أسعار خامات الحديد) لكنها دمرت القدرة الشرائية للمواطن وزادت من الضغط على معيشته وفي مقدمتها (تخفيض العملة تدريجيا بحوالي الثلث، زيادة القيمة المضافة إلى 16%، الضريبة على بعض المواد الأساسية كالأرز والدجاج والألبان والشاي والأسمنت، تثبيت أسعار المحروقات في مستوي مرتفع، انحراف سونمكس عن دورها في تخفيض أسعار المواد الغذائية قبل أن تتم تصفيتها وفتح الباب واسعا أمام لوبيات التجار الاحتكاريين... الخ)!.

 

الغريب أنه خلال السنوات الأربعة الأخيرة (رغم الأزمات المختلفة ) وبدل انتهاج سياسات تقشفية وترشيد الموارد تم الإصرار على المواصلة نفس التوجه الجبائي للعشرية (رغم ضآلة ما يتم إنجازه حاليا في مجال البنية التحتية مقارنة معها) واستمرار في زيادة معدلات الجباية الصارمة على الطبقة الوسطي (بدل الاغنياء وأصحاب الثروات)، وتمت زيادة أسعار المحروقات (التي لم يتم التراجع عنها رغم تعهد رئاسي) وسجل ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية (حتي بعد تراجعها عالميا) وفشلت الدولة في فرض التجار المستوردين (ممولي حملات الحزب الحاكم) على تخفيض هوامش أرباحهم الكبيرة (انظر تقارير البنك الدولي حول الموضوع) مع الفشل في تنظيم الأسواق والعجز عن تنفيذ إصلاحات عميقة في القطاعات الاقتصادية... الخ والأخطر من ذلك مواصلة التمكين أكثر للوبي احتكاري من حوالي عشر مجموعات عائلية (حسب البنك الدولي) وجد في السنوات الأربعة الماضية ظروفا مشابهة لتلك التي خلقته وغذته إبان نظام الرئيس الأسبق ولد الطايع.

 

باختصار، لقد تم الضغط الشديد على قدرة المواطن الموريتاني الشرائية خلال النصف الثاني للعشرية الماضية من أجل المواصلة في مشاريع البنية التحتية ومنذ 2019 تتم المواصلة في تدميرها مقابل “تمويل امتيازات لبعض السياسيين والوجهاء وبقايا الحركات السياسية وصفقات عشوائية لتنفيذ برامج كرنفالية ذات انعكاس محدود على المواطن تم تصميمها على مقاس كبار التجار ورجال الأعمال الموردين وغيرهم من ممولي الحزب الحاكم...الخ “

 

ورغم التعهد بـ100 ألف وظيفة (جيدة) لم تتمكن الدولة من خلق أي فرص عمل لامتصاص حدة البطالة حيث ازداد عجز الاقتصاد عن إنتاج وظائف رسمية بسبب  احتكار السوق (الذي يمنع أي مستثمر جديد من الولوج) وغياب التمويل (المحتكر هو أيضا من طرف بنوك عائلية  تمول بالأساس أنشطة ملاكها التجارية) وضعف الخبرات الفنية اللازمة للاستثمار (رداءة جودة التعليم) واستمرار الطابع غير المصنف للاقتصاد (انتشار السوق الموازي والمضاربات...) وبدل السعي لإصلاحات هيكلية في القطاعات الحيوية لخلق وظائف جديدة استمر نفس الخطاب (السيمفونية القديمة) المتمثل في استمرار التأكيد "أن الوظائف موجودة لكن الشباب لا يمتلك المهارات الضرورة لشغلها" وكل ذلك لتبرير صرف ميزانيات ضخمة علي مشاريع سيئة التصميم والتنفيذ وبعض الدورات التكوينية غير المصنفة ومعدومة القيمة والأثر!

 

ان استمرار هذا الفشل الاقتصادي والتنموي الذريع خلال السنوات الأربع الأخيرة تسبب في تضاعف حدة الانعكاسات الاجتماعية الخطيرة التي تشهدها البلاد حيث تم تسجيل ارتفاع مفزع لنسب الفقر والبطالة وخاصّة في صفوف الشباب وحاملي الشهادات وتزايد مهول في معدّلات التسرّب المدرسي وتوسّعت رقعة الفئات الهشّة مع عدم القدرة على مسايرة النمو الديمغرافي وتنامي مقلق للجريمة بأنواعها في ظل انهيار مستمر لمنظومة القيم وتردي أخلاقي غير مسبوق.

 

إذا لا غرابة إن اجتاز سياج الحدود الامريكية المكسيكية - بشكل غير قانوني- الآلاف من الشباب الموريتاني (هندوراس وحدها أعلنت عبور 3703 موريتاني خلال 6 أشهر فقط) من ضمنهم أبناء نواب برلمانيين وضباط وموظفين ساميين. ومن ضمنهم أيضا موظفين في القطاعين الخاص والعام ومنهم نساء (من ضمنهم حوامل) وأطفال وشباب عاطلون... وغالبيتهم العظمي من أبناء الطبقة الوسطي التي تم طحنها لدرجة أن يفر الموظف (الإطار الذي يشغل وظيفة دائمة) عن وظيفته بسبب ظروف المعيشة القاهرة..!

 

ختاما:

لقد شكلت السنوات الأربع الماضية مرحلة غير مسبوقة من الفشل المدوي، والتراجع علي جميع المستويات، في فترة يحتاج فيها البلد الي جرعة قوية من الإصلاحات الفورية لتخفيف حالة الانهيار الشامل التي يعيشها منذ عقود، وهو ما لن  يتحقق إلا بمراجعة داخلية عميقة تفرز نهجا تنموا جديدا يضع الازدهار الاقتصادي والاجتماعي غاية، والعمل السياسي وسيلة، وصياغة جيل جديد من المشاريع وتنفيذها عبر نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة قادرة على صياغة الإصلاحات وتنفيذها ، على مستوى المؤسسات، والهياكل السياسية، والاقتصادية، والإدارية المختلفة.